للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٥٩٦ - قوْلَه تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥)} [الأعلى: ٤، ٥] ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْمَرْعَى عَقِبَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْخَلْقِ وَالْهُدَى لِيُبَيّنَ مَآلَ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَنَّ الدُّنْيَا هَذَا مَثَلُهَا.

وَقَد ذَكَرَ اللهُ ذَلِكَ فِي الْكَهْفِ ويُونُسَ وَالْحَدِيدِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (٤٥)} [الكهف: ٤٥].

وَقَد جَعَلَ إهْلَاكَ الْمُهْلَكِينَ حَصَادًا لَهُم فَقَالَ: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠)} [هود: ١٠٠]. [١٦/ ١٥٢ - ١٥٣]

١٥٩٧ - قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)} [الأعلى: ٩]: قيل: إنْ قُبِلَتِ الذِّكْرَى.

وَقيلَ: ذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذكْرَى وَإن لَمْ تَنْفَعْ. قَالَهُ طَائِفَةٌ، أَوَّلُهُم الْفَرَّاءُ، وَاتَّبَعَهُ جَمَاعَة.

قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَالَ الثَّانِيَةَ كَقَوْلِهِ: سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ، وَأَرَادَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ (١).

وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّهُم قَد عَلِمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَتَذْكِيرُهُم سَوَاءٌ آمنُوا أَو كَفَرُوا.

وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَأَمْثَالِهِ، لَكنْ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِن مُفَسِّرِي السَّلَفِ، وَلهَذَا كَانَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَل يُنْكِرُ عَلَى الْفَرَّاءِ وَأَمْثَالِهِ مَا


(١) وقد ردّ أمثال هذا التقدير ابن تيمية رحمه الله في غير موضع.
وقال: قَوْله: {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١] عَلَى بَابِهِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْبَرْدِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ: "إنَّ الْمَعْطُوفَ مَحْذُوفٌ" هُوَ الْفَرَّاءُ وَأَمْثَالُهُ، مِمَن أنْكَرَ عَلَيْهِم الْأئِمَّةُ، حَيْث يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِمُجَرَّدِ ظَنِّهِمْ وَفَهْمِهِمْ لِنَوْعِ مِن عِلْم الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُمْ .. وَكَثِيرًا لَا يَكُونُ مَا فَسَّرُوا بِهِ مُطَابِقًا، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلى ذِكْرِ البَرْدِ. (١٦/ ١٥٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>