للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يُنْكِرُهُ وَيَقُولُ: كُنْت أَحْسَبُ الْفَرَّاءَ رَجُلًا صَالِحًا حَتَّى رَأَيْت كِتَابَهُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَالُوهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِآياتٍ أُخَر (١)، وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِن أَمْرِ الرَّسولِ، فَإِنَّ اللهَ بَعَثَهُ مُبَلِّغًا وَمُذَكِّرًا لِجَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى هَذ الْآيَةِ؛ بَل مَعْنَى هَذِهِ يُشْبِهُ قَوْلَهُ: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)} [ق: ٤٥] وَقَوْلَهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥)} [النازعات: ٤٥].

فَالْقُرْآنُ جَاءَ بِالْعَامِّ وَالْخَاصِّ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)} [البقرة: ٢] وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَحَيْثُ خُصَّ بِالتَّذْكِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَنَحْوِهِ الْمُؤمِنُونَ فَهُم مَخْصُوصُونَ بِالتَّامِّ النَّافِعِ الَّذِي سَعِدُوا بِهِ، وَحَيْثُ عَمّمَ فَالْجَمِيعُ مُشْتَرِكُونَ فِي الْإِنْذَارِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ، سَوَاءٌ قَبِلُوا أَو لَمْ يَقْبَلُوا (٢).

فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا كُلُّ تَذْكِيرٍ قَد حَصَلَ بِهِ نَفْعٌ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي التَّقْيِيدِ؟

قِيلَ: بَل مِنْهُ مَا لَمْ يَنْفَعْ أَصْلًا وَهُوَ مَا لَمْ يُؤمَرْ بِهِ، وَذَلِكَ كَمَن أَخْبَرَ اللهُ


(١) فالآيات الأخرى صريحة بوجوب التبليغ، ودعوة جميع الناس، من ينتفع بالذكرى ومن لا ينتفع.
(٢) والمعنى: أنّ التذكير التام، الذي فيه التفصيل والاستطراد، إنما يكون لمن ينتفع ويتقبل.
وعلى هذا؛ فالذي ينبغي للعالم والداعية أنْ ينظر في حال من يتكلم عندهم، فإن كانوا مؤمنين يفرحون بالتذكير، فينبغي الإكثار من تذكيرهم وإرشادهم وتعليمهم، ولكن لا يصل إلى إملالهم، وإذا كانوا غير ذلك فلْيقتصر على ما تقوم به الحجة عليهم، باختصار وعدم إطالة وإكثار.
قال الشيخ: وَهَذَا التَّامُّ النَّافِعُ يَخُصُّ بِهِ الْمُؤمِنِينَ الْمُنْتَفِعِينَ، فَهُم إذَا آمَنُوا ذَكَّرَهُم بِمَا أَنْزَلَ، وَكُلَّمَا أُنْزِلَ شَيءٌ مِن الْقُرْآنِ ذَكَّرَهُم لهِ وَيُذَكِّرُهُم بمَعَانِيهِ ويذَكِّرُهُم بِمَا نَزَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩)} [المدثر: ٤٩] فَإنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُذَكِّرُهُم كَمَا يُذَكِّرُ الْمُؤمِنينَ إذَا كَانَتِ الْحُجَّةُ قَد قَامَتْ عَلَيْهِم وَهُم مُعْرِضُونَ عَن التَّذْكِرَةِ لَا يَسْمَعُونَ .. اهـ. (١٦/ ١٦٣ - ١٦٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>