أَنَّهُ لَا يُؤمِنُ كَأبِي لَهَبٍ، فَإنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَنْزَلَ اللهُ قَوْلَهُ: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣)} [المسد: ٣] فَإنَّهُ لَا يُخَصُّ بِتَذْكِيرٍ بَل يُعْرَضُ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَن لَمْ يُصْغ إلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَمِعْ لِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)} [الذاريات: ٥٤] ثُمَّ قَالَ: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} [الذاريات: ٥٥]، فَهُوَ إذَا بَلَّغَ قَوْمًا الرّسَالَةَ فَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِم، ثُمَّ امْتَنَعُوا مِن سَمَاعِ كَلَامِهِ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، فَإِنَ الذِّكْرَى حِينئِذٍ لَا تَنْفَعُ أَحَدًا.
وَكَذَلِكَ مَن أَظْهَرَ أنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي فَإنَّهُ لَا يُكَرَّرُ التَّبْلِيغَ عَلَيْهِ.
فَيَكُونُ مَأمُورًا أَنْ يُذَكِّرَ الْمُنْتَفِعِينَ بِالذِّكْرَى تَذْكِيرًا يَخُصُّهُم بِهِ، غَيْرَ التَّبْلِيغِ الْعَامِّ الَّذِي تَقُوم بِهِ الْحُجَّةُ. [١٦/ ١٥٤ - ١٦٤]
١٥٩٨ - قَوْلُهُ تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢)} [الأعلى:١١، ١٢] فِيهَا الرَّدُّ عَلَى طَائِفَتَيْنِ:
أ - عَلَى الْخَوَارجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يُخَلَّدُونَ فِيهَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّة عَلَيْهِمْ.
ب- وَعَلَى مَن حُكِيَ عَنْهُ مِن غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخلُ النَّارَ مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَحَدٌ.
وَقَد أُجِيبُوا بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: جَوَابُ طَائِفَةٍ -مِنْهُم الزجَّاجُ- قَالُوا: هَذِهِ نَارٌ مَخْصُوصَةٌ.
لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهَا: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧)} [الليل: ١٧] لَا يَبْقَى فِيهِ كَبِيرُ وَعْدٍ، فَإِنَّهُ إذَا جُنِّبَ تِلْكَ النَّارَ جَازَ أَنْ يَدْخُلَ غَيْرَهَا.
وَجَوَابُ آخَرِينَ قَالُوا: لَا يَصْلَوْنَهَا صَلْيَ خُلُودٍ.
وَهَذَا أَقْرَبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute