ومن أَقْوَى عَلَامَاتِ شَنَاءَتِهِ لَهَا وَكَرَاهَتِهِ لَهَا: أَنّهُ إذَا سَمِعَهَا حِينَ يَسْتَدِلُّ بِهَا أهْلُ السُّنَّةِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِن الْحَقِّ اشْمَأزَّ مِن ذَلِكَ وَحَادَ وَنَفَرَ عَن ذَلِكَ لِمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْبُغْضِ لَهَا وَالنُّفْرَةِ عَنْهَا، فَأَيُّ شَانِئٍ لِلرَّسُولِ أَعْظَمُ مِن هَذَا؟
وَكَذَا مِن آثَرَ كَلَامَ النَّاسِ وَعُلُومَهُم عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَلَوْلَا أَنَّه شَانِئٌ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُم لِيَنْسَى الْقُرْآنَ بَعْدَ أَنْ حَفِظَهُ ويشْتَغِلَ بِقَوْلِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ.
فَهَؤلَاءِ لَمَّا شَنَئُوهُ وَعَادُوهُ جَازَاهُم اللهُ بِأَنْ جَعَلَ الْخَيْرَ كُلَّهُ مُعَادِيًا لَهُم فَبَتَرَهُم مِنْهُ.
وَخَصَّ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- بِضِدِّ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ الْكَوْثَرَ، وَهُوَ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي آتاهُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَمِمَّا أَعْطَاهُ فِي الدُّنْيَا: الْهُدَى وَالنَّصْرَ وَالتَّأيِيدَ، وَقُرَّةَ الْعَيْنِ وَالنَّفْسِ وَشَرْحَ الصَّدْرِ، وَنعْمَ قَلْبِهِ بِذِكْرِهِ وَحُبِّهِ، بِحَيْثُ لَا يُشْبِهُ نَعِيمَهُ نَعِيمٌ فِي الدُّنْيَا أَلْبَتَّةَ، وَأَعْطَاهُ فِي الْآخِرَةِ: الْوَسِيلَةَ وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ، وَجَعَلَهُ أَوَّلَ مَن يُفْتَحُ لَهُ ولِأُمَّتِهِ بَابُ الْجَنَّةِ، وَأَعْطَاهُ فِي الْآخِرَةِ لِوَاءَ الْحَمْدِ وَالْحَوْضَ الْعَظِيمَ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُم أَوْلَادَهُ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ، وَهَذَا ضِدُّ حَالِ الْأَبْتَرِ الَّذِي يَشْنَؤُهُ ويشْنَأُ مَا جَاءَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ شَانِئَكَ} [الكوثر: ٣]؛ أَيْ: مُبْغِضك، وَالْأَبْتَرُ الْمَقْطُوعُ النَّسْلِ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ خَيْرٌ وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ، فَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ خَيْرٌ وَلَا عَمَل صَالِحٌ.
قِيلَ لِأبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ: إنَّ بِالْمَسْجِدِ قَوْمًا يَجْلِسُونَ ويجْلَسُ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَن جَلَسَ لِلنَّاسِ جَلَسَ النَّاسُ إلَيْهِ (١)، وَلَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَمُوتُونَ وَيَحْيَى ذِكْرُهُمْ، وَأَهْلَ الْبِدْعَةِ يَمُوتُونَ ويَمُوتُ ذِكْرُهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ أَحْيَوْا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فَكَانَ لَهُم نَصِيبٌ مِن قَوْلِهِ: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)} [الشرح: ٤]،
(١) أي: هذا ليس دليلًا على حمد صاحبه ولا ذمه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute