للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَأَهْلَ الْبِدْعَةِ شَنَئُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فَكَانَ لَهُم نَصِيبٌ مِن قَولِهِ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)} [الكوثر: ٣].

فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أيُّهَا الرَّجُلُ مِن أَنْ تَكْرَهَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-، أَو تَرُدَّهُ لِأَجْلِ هَوَاك، أَو انْتِصَارًا لِمَذْهَبِك أَو لِشَيْخِك، أَو لأجْلِ اشْتِغَالِك بِالشَّهَوَاتِ أَو بِالدُّنْيَا (١). فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاسْمَعْ وَأَطِعْ، وَاتَّبعْ وَلَا تَبْتَدِعْ تَكُنْ أبْتَرَ مَرْدُودًا عَلَيْك عَمَلُك.

وَالْكَوْثَرُ الْمَعْرُوفُ إنَّمَا هُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا قَد وَرَدَتْ بِهِ الْأحَادِيثُ الصَّحِيحَهُ الصَّرِيحَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكَوْثَرُ إنَّمَا هُوَ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ إيَّاهُ، وَإِذَا كَانَ أَقَل أَهْلِ الْجَنَّةِ مَن لَهُ فِيهَا مِثْلُ الدُّنْيَا عَشْرُ مَرَّاتٍ، فَمَا الظَّنُّ بِمَا لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِمَّا أَعَدَّهُ اللهُ لَهُ فِيهَا؟

وَقَوْلُهُ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)} [الكوثر:٢] أَمَرَه اللهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ وَهمَا الصَّلَاةُ وَالنُّسُكُ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الصَّلَاةَ وَالنُّسُك هُمَا أَجَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللهِ؛ فَإنَّهُ أتَى فِيهِمَا بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالنَّحْرُ سَبَبٌ لِلْقِيَامِ بِشُكْرِ مَا أَعْطَاهُ اللهُ إيَّاهُ مِنَ الْكَوْثَرِ وَالْخَيْرِ الْكَثِيرِ.

وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ النَّحْرُ، وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الصَّلَاةُ، وَمَا يَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي غَيْرِهَا مِن سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، كَمَا عَرَفَهُ أرْبَابُ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ، وَأَصْحَابُ الْهِمَمِ الْعَاليَةِ (٢).


(١) حذر الشيخ من ثلاثٍ مُهلكات ضادّات عن الحق والدين:
١ - اتّباع الهَوَى.
٢ - الانْتِصَار لِمَذْهَبٍ أوْ شَيْخ أو جماعة.
٣ - الاشْتِغَال بِالشَّهَوَاتِ أوْ بِالدُّنْيَا.
(٢) إنَّ مبدأ وكمال صلاح المؤمن من الصلاة، فمتى حرص على القيام بأركانها وواجباتها، =

<<  <  ج: ص:  >  >>