للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَحْدَهَا بِدُونِ الْفَاتِحَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَلَو قُدِّرَ أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إلَّا الْفَاتِحَةَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَعَانِيَ الْفَاتِحَةِ فِيهَا الْحَوَائِجُ الْأصْلِيَّةُ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْهَا.

وَقَد بُسِطَ الْكلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ مَا فِي الْفَاتِحَةِ مِن الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَهُوَ قَوْلُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} [الفاتحة: ٦، ٧] هُوَ أَفْضَل دُعَاءٍ دَعَا بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ، وَهُوَ أَوْجَبُ دُعَاءٍ دَعَا بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ، وَأَنْفَعُ دُعَاء دَعَا بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ، فَإِنَّهُ يَجْمَعُ مَصَالِحَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْعَبْدُ دَائِمًا مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. [١٧/ ١٣٠ - ١٣٢]

وَقَد بَيَّنَّا أَنَّ أَحْسَنَ الْوُجُوهِ أَنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: تَوْحِيدٌ وَقَصَصٌ وَأَحْكَامٌ.

وَهَذِهِ السُّورَةُ صِفَة الرَّحْمَنِ فِيهَا التَّوْحِيدُ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ، وَالْكَلَام نَوْعَانِ: إمَّا إنْشَاءٌ وَإِمَّا إخْبَارٌ، وَالْإِخْبَارٌ إمَّا خَبَرٌ عَن الْخَالِقِ، وإِمَّا خَبَرٌ عَن الْمَخْلُوقِ، فَالْإِنْشَاءُ هُوَ الأحْكَامُ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْخَبَرُ عَن الْمَخْلُوقِ هُوَ الْقَصَصُ، وَالْخَبَرُ عَن الْخَالِقِ هُوَ ذِكْرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.

وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ هِيَ وَصْفُ الرَّحْمَنِ مَحْضًا إلَّا هَذ السُّورَةَ. [١٧/ ١٣٤]

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فَضْلَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَد يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الرَّجُلِ، فَالْقِرَاءَةُ بِتَدَبُّر أَفْضَلُ مِن الْقِرَاءَةِ بِلَا تَدَبُّرٍ، وَالصَّلَاةُ بِخُشُوع وَحضُورِ قَلْبٍ أَفْضَلُ مِن الصَّلَاةِ بِدُونِ ذَلِكَ.

وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَرْقَى بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} وَكَانَ لَهَا بَرَكَةٌ عَظِيمَة، فَيَرْقَى بِهَا غَيْر فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: لَيْسَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} مِن كُلِّ أَحَدٍ تَنْفَعُ كلَّ أَحَدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>