وَقَد يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: غَرِيبٌ مِن هَذَا الْوَجْهِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ عِنْدَهُم صَحِيحًا مَعْرُوفًا مِن طَرِيقٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا رُوِيَ مِن طَرِيقٍ آخَرَ كَانَ غَرِيبًا مِن ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَإِن كَانَ الْمَتْنُ صَحِيحًا مَعْرُوفًا، فَالتِّرْمِذِيُّ إذَا قَالَ: حَسَن غَرِيبٌ قَد يَعْنِي بِهِ: أَنَّهُ غَرِيبًا مِن ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَلَكِنَ الْمَتْنَ لَهُ شَوَاهِدُ صَارَ بِهَا مِن جُمْلَةِ الْحُسْنِ.
وَأَمَّا مَن قبلَ التِّرْمِذِيِّ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَمَا عُرِفَ عَنْهُم هَذَا التَّقْسِيمُ الثُّلَاثِي، لَكِنْ كَانُوا يُقَسِّمُونَهُ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ، وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُم نَوْعَانِ:
أ- ضَعِيفٌ ضَعْفًا لَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْحَسَنَ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ.
ب- وَضَعِيفٌ ضَعْفًا يُوجِبُ تَرْكَهُ، وَهُوَ الْوَاهِي. [١٨/ ٢٣ - ٢٥]
١٦٣٧ - بَعْضُ مَا يُصَحِّحُهُ التِّرْمِذِيُّ يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ فِيهِ، كَمَا قَد يُنَازِعُونَهُ فِي بَعْضِ مَا يُضَعِّفُهُ وَيُحَسِّنُهُ، فَقَد يُضَغفُ حَدِيثًا وَيُصَحِّحُهُ الْبُخَارِيِّ. [١٨/ ٢٤]
١٦٣٨ - إِنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ وَكَثْرَتَهَا يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى قَد يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهَا، وَلَو كَانَ النَّاقِلُونَ فُجَّارًا فُسَّاقًا، فَكَيْفَ إذَا كَانُوا عُلَمَاءَ عُدُولًا، وَلَكِنْ كَثُرَ فِي حَدِيثهِم الْغَلَطُ!
وَمِثْلُ هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، فَإِنَّهُ مِن أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ قَاضِيًا بِمِصْر كَثِيرَ الْحَدِيثِ، لَكِنِ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ مِن حفْظه فَوَقَعَ فِي حَدِيثهِ غَلَطٌ كَثِيرٌ، مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى حَدِيثهِ الصّحَّةُ.
وَأَمَّا مَن عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ: فَمِنْهُم مَن لَا يَرْوِي عَن هَذَا شَيْئًا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَل وَغَيْرِهِ، لَمْ يَرْوِ فِي مُسْنَدِهِ عَمَّن يَعْرِفُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، لَكِنْ يَرْوِي عَمَّن عُرِفَ مِنْهُ الْغَلَط لِلِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ. [١٨/ ٢٦]
١٦٣٩ - فَصْلٌ: فِي أَنْوَاعِ الرِّوَايَةِ وَأَسْمَاءِ الْأَنْوَاعِ، مِثْل: حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَأَ نْبَأَنَا، وَسَمِعْت، وَقَرَأت، وَالْمُشَافَهَةِ، وَالْمُنَاوَلَةِ، وَالْمُكَاتَبَةِ، وَالْإِجَازَةِ، وَالْوِجَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَنَقُولُ: الْكَلَامُ فِي شَيْئَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute