قِرَاءَتَهُ بِهَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَمَا زَادَ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ.
وَعَلَى هَذَا فَاسْتِمَاعُهُ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ بِالْفَاتِحَةِ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ وَزَيادَةٌ تُغْنِي عَن الْقِرَاءَةِ مَعَهُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا. [١٨/ ١٦ - ٢١]
١٦٣٦ - قِسْمَةُ الْحَدِيثِ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ، أَوَّلُ مَن عُرِفَ أَنَّهُ قَسَّمَهُ هَذِهِ الْقِسْمَةَ: أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ تُعْرَفْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ عَن أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَقَد بَيَّنَ أَبُو عِيسَى مُرَادَهُ بِذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّ الْحَسَنَ مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ، وَلَمْ يَكُن فِيهِمْ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، وَلَمْ يَكُن شَاذًّا، وَهُوَ دُونَ الصَّحِيحِ الَّذِي عُرِفَتْ عَدَالَةُ نَاقِلِيهِ وَضَبْطُهُمْ.
وَقَالَ: الضَّعِيفُ الَّذِي عُرِفَ أَنَّ نَاقِلَهُ مُتَّهَم بِالْكَذِبِ رَدِيءُ الْحِفْظِ؛ فَإِنَّهُ إذَا رَوَاهُ الْمَجْهُولُ خِيفَ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا أو سَيِّئَ الْحِفْظِ، فَإِذَا وَافَقَهُ آخَرُ لَمْ يَأخُذْ عَنْهُ عُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِبَهُ، وَاتِّفَاقُ الِاثْنَيْنِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ طَوِيلٍ قَد يَكُونُ مُمْتَنِعًا وَقَد يَكُونُ بَعِيدًا، وَلَمَّا كَانَ تَجْوِيزُ اتِّفَاقِهِمَا فِي ذَلِكَ مُمْكِنًا نَزَلَ مِن دَرَجَةِ الصَّحِيحِ.
وَقَد أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ وَقَالُوا: إنَّهُ يَقُولُ: حَسَن غَرِيبٌ، وَالْغَرِيبُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ الْوَاحِدُ، وَالْحَدِيثُ قَد يَكُونُ صَحِيحًا غَرِيبًا كَحَدِيثِ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"، وَحَدِيثِ: "نَهَى عَن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ"، وَحَدِيثِ: "دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأسِهِ الْمِغْفَرُ"، فَإِنَّ هَذِهِ صَحِيحَةٌ مُتَلَقَّاةٌ بِالْقَبُولِ.
وَالْأوّلُ: لَا يُعْرَفُ ثَابِتًا عَن غَيْرِ عُمَرَ.
وَالثَّاني: لَا يُعْرَفُ عَن غَيْرَ ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ.
وَالثَّالِث: لَا يُعْرَفُ إلَّا مِن حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَن أَنَسٍ.
وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَى التِّرْمِذِيِّ لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا قَالَهُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ قَد يَقُولُونَ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ؛ أَيْ: مِن هَذَا الْوَجْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute