للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى شَيءٍ فَسَائِرُ الْأُمَّةِ تبَعٌ لَهُم؛ فَإجْمَاعُهُم مَعْصُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خَطَأٍ (١).

وَمِمَّا قَد يُسَمَّى صَحِيحًا مَا يُصَحِّحُهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَآخَرُونَ يُخَالِفُونَهُم فِي تَصْحِيحِهِ فَيَقُولونَ: هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، مِثْل أَلْفَاظٍ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" وَنَازَعَهُ فِي صِحَّتِهَا غَيْرُهُ مَن أَهْلِ الْعِلْمِ، إمَّا مِثْلَة أَو دُونَه أَو فَوْقَهُ، فَهَذَا لَا يُجْزَمُ بِصِدْقِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ.

وَالْبُخَارِيُّ أَحْذَقُ وَأَخْبَرُ بِهَذَا الْفَنِّ مِن مُسْلِمٍ؛ وَلهَذَا لَا يَتَّفِقَانِ عَلَى حَدِيثٍ إلَّا يَكُونُ صَحِيحًا لَا ريبَ فِيهِ، قَد اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ.

ثُمَّ يَنْفَرِدُ مُسْلِمٌ فِيهِ بِألْفَاظٍ يُعْرِضُ عَنْهَا الْبُخَارِيُّ، ويقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إنَّهَا ضَعِيفَةٌ، ثُمَّ قَد يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ مَن ضَعَّفَهَا؛ كَمِثْل صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعٍ، وَقَد يَكونُ الصَّوَابُ مَعَ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَكْثَرُ، مِثْل قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: "إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأنصِتُوا"، فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ صَحَّحَهَا مُسْلِمٌ، وَقَبْلَهُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهَا الْبُخَارِيُّ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُطَابِقَةٌ لِلْقُرْآنِ، فَلَو لَمْ يُرَدْ بِهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بالْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)} [الأعراف: ٢٠٤] أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ مُرَادَةٌ مِن هَذَا النَّصّ.

وَلهَذَا كَانَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: أَنَّ الْمَأمُومَ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ يَسْتَمِعُ لَهَا وَيُنْصِتُ، لَا يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وإِذَا لَمْ يَسْمَعْ


(١) هذه قاعدةٌ عامَّة، وهي حجةٌ على الخوارج الذين خرجوا عن إجماع المسلمين المنكرين لأفعالهم، والرافضين لجرائمهم، وكذلك حجةٌ على الذين تسلطوا على دعاة المسلمين ومشايخهم والمصلحين، وجرَّحوهم واغتابوهم وأسقطوهم من أعين الكثير من العامة، فمنهجهم هذا مُخالف لكلمة المسلمين عامّتهم وعلمائهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>