قَالَ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣)} [الصافات: ٢٢، ٢٣].
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْته فَاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمْكُمْ وَكُلّكُمْ عَارٍ إلا مَن كسَوْته فَاسْتكْسُوني أكسُكُمْ" فَيَقْتَضِي أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ التَوَكُّلِ عَلَى اللهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّنِ جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ كَالطَّعَامِ، وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ كَاللِّبَاسِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ غَيْرُ اللهِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ قُدْرَةً مُطْلَقَةً، وإنَّمَا الْقُدْرَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لِبَعْضِ الْعِبَادِ تَكُونُ عَلَى بَعْضِ أَسْبَابِ ذَلك (١).
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "يَا عِبَادِي إئكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَيْلِ وَالنَّهَارِ وَأنا أَغْفِرُ الذنُوبَ جَمِيعًا" وَفي رِوَايَةٍ: "وَأنا أَغْفِرُ الذُنُوبَ وَلَا أُبالِي فَاسْتَغْفِرُوني أَغْفِرْ لَكُمْ"؛ فَالْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْمَغْفِرَةُ لِمَن تَابَ.
النُّوْعُ الثانِي: الْمَغْفِرَةُ بِمَعْنَى: تَخْفِيفِ الْعَذَابِ، أَو بِمَعْنَى: تَأخِيرِهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَهَذَا عَامٌّ مُطْلَقًا؛ وَلهَذَا شَفَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَبِي طَالِبٍ مَعَ مَوْتِهِ عَلَى الشِّرْكِ، فَنُقِلَ مِن غَمْرَةٍ مِن نَارٍ حَتَّى جُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عزوجل: "يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي" فَإِنَّهُ هُوَ بَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يُحْسِنُ بِهِ إلَيْهِم مِن إجَابَةِ الذعَوَاتِ، وَغُفْرَانِ الزَّلَّاتِ، بِالْمُسْتَعِيضِ بِذَلِكَ مِنْهُم جَلْبَ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعَ مَضَرَّةٍ، كَمَا هِيَ عَادَةُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يُعْطِي غَيْرَهُ نَفْعًا لِيُكَافِئَهُ عَلَيْهِ بِنَفْعٍ، أَو يَدْفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا ليَتَّقِيَ بِذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: "لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي". الْمُرَادُ مَا أَخَذَ عِلْمِي وَعِلْمُك مِن
(١) لم يذكر الأصل الثاني.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute