الْأَوَّلِ؛ فَإنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَد تَقَعُ؛ إذِ التَّفَاوُتُ فِيهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ فِي الضَّرْبَةِ وَاللَّطْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، عَدَلَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إلَى التَّعْزِيرِ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُم مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَد: مَا جَاءَت بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِن ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَالْمُمَاثَلَةِ.
قولُه: "يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْته فَاسْتَهْدُوني أَهْدِكُمْ" أَمَرَ الْعِبَادَ بأنْ يَسْألُوهُ الْهِدَايَةَ كَمَا أمَرَهُم بِذَلِكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}.
وَلهَذَا قِيلَ: الْهُدَى أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: الْهِدَايَةُ إلَى مَصَالِحِ الدُّنْيَا، فَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَالْأَعْجَمِ، وَبَيْنَ الْمُؤمِنِ وَالْكَافِرِ.
وَالثانِي: الْهُدَى بِمَعْنَى دُعَاءِ الْخَلْقِ إلَى مَا يَنْفَعُهُمْ، وَأَمْرِهِمْ بِذَلِكَ، وَهُوَ نَصْبُ الْأَدِلَّةِ، وَإرْسَالُ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ، فَهَذَا أَيْضًا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيغ الْمُكَلَّفِينَ، سَوَاءٌ آمنُوا أَو كَفَرُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)} [الرعد: ٧].
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْهُدَى الَّذِي هُوَ جَعْلُ الْهُدَى فِي الْقُلُوبِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُهُم بِالْإِلْهَامِ وَالْإِرْشَادِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابعُ: الْهُدَى فِي الْآخِرَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (٢٤)} [الحج: ٢٤].
وَهَذَا الْهُدَى ثَوَابُ الِاهْتِدَاءِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ ضَلَالَ الْآخِرَةِ جَزَاءُ ضَلَالِ الدُّنْيَا، وَكَمَا أَنَ قَصْدَ الشَّرِّ فِي الدُّنْيَا جَزَاؤُهُ الْهُدَى إلَى طَرِيقِ النَّارِ، كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute