للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اتَّفَقُوا عَلَى تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، وَهُوَ: أَنْ يُعَلِّقَ الشَّارعُ الْحُكْمَ بِمَعْنى كُلِّيٍّ، فَيَنْظُر فِي ثُبُوتِهِ فِي بَعْضِ الْأَنْوَاعِ أَو بَعْضِ الْأَعْيَانِ، كَأَمْرِهِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، وَكَأَمْرِهِ بِاسْتِشْهَادِ شَهِيدَيْنِ مِن رِجَالِنَا مِمَن نَرْضَى مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَكَتَحْرِيمِهِ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ، وَكَفَرْضِهِ تَحْلِيلَ الْيَمِينِ بِالْكَفَّارَةِ، وَكَتَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْفِدْيَةِ وَالطَّلَاقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي بَعْضِ الْأَنْوَاعِ: هَل هِيَ خَمْرٌ، وَيَمِين، وَمَيْسِرٌ، وَفِدْيَةٌ، أَو طَلَاقٌ؟

وَفِي بَعْضِ الْأَعْيَانِ: هَل هِيَ مِن هَذَا النَّوْعِ؟

وَهَل هَذَا الْمُصَلِّي مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ؟

وَهَذَا الشَّخْصُ عَدْلٌ مَرْضِيٌّ؟ وَنَحْو ذَلِكَ.

فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الِاجْتِهَادِ مُتَّفَق عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ بَل بَيْنَ الْعُقَلَاءِ فِيمَا يَتْبَعُونَهُ مِن شَرَائِعِ دِينِهِمْ وَطَاعَةِ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ وَمَصَالِحِ دُنْيَاهُم وَآخِرَتِهِمْ.

وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَمْثِيلِ الشَّيْءِ بِنَظِيرِهِ، وَإِدْرَاجِ الْجُزْئِي تَحْتَ الْكُلِّيِّ، وَذَاكَ (١) يُسَمَّى قِيَاسَ التَّمْثِيلِ؛ وَهَذَا يُسَمَّى قِيَاسَ الشُّمُولِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأفْرَادِ فِي قِيَاسِ الشُّمُولِ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمَنْطِقِيُّونَ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ: هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي قِيَاسِ التَّمْثِيلِ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْأُصُولِيُّونَ الْجَامِعَ، وَالْمَنَاطَ، وَالْعِلَّةَ، وَالْأَمَارَةَ، وَالدَّاعِي، وَالْبَاعِثَ، وَالْمُقْتَضِيَ، وَالْمُوجِبَ، وَالْمُشْتَرَكَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ.

وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ وَهُوَ: الْقِيَاسُ الْمَحْضُ وَهُوَ: أَنْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمٍ فِي أُمُورٍ قَد يُظَنُّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهَا، فَيَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا مِثْلُهَا، إمَّا لِانْتِفَاءِ الْفَارِقِ، أَو لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الشَّارعَ عَلَّقَ الْحُكْمَ


(١) أي: تنقيح المناط.

<<  <  ج: ص:  >  >>