وَالصِّيَامِ وَتَحْرِيمِ الزنى وَالْخَمْرِ وَالرِّبَا: إذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ لِلْمُكَلَّفِ بَلَاغًا يُمَكِّنُهُ مِنَ اتّبَاعِهَا فَخَالَفَهَا تَفْرِيطًا فِي جَنْبِ اللهِ، وَتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللهِ: فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مُخْطِئٌ آثِمٌ، وَأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ سَببٌ لِعُقُوبَةِ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ اللهَ أَقَامَ حُجَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ بَعَثَهُم إلَيْهِم مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥].
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْفِعْلِ وَالْحَادِثَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْعَمَلِيَّةِ نَصٌّ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُكَلَّفُ مِن مَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ دَلَالَتِهِ؛ مِثْل أَنْ يَكُونَ الْحَدِيث النَّبَوِيُّ الْوَارِدُ فِيهَا عِنْدَ شَخْصٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُجْتَهِدُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِمَا يَدُلُّهُ عَلَيْهِ، أَو تَكُونُ دَلَالَتُهُ خَفِيَّةً لَا يَقْدِرُ الْمُجْتَهِدُ عَلَى فَهْمِهَا، أَو لَمْ يَكُن فِيهَا بِحَالٍ: فَهَذَا مَوْرِدُ نِزَاعٍ، فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِن أَهْلِ الْكَلَامِ، مِثْل أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْغَزَالِيِّ إلَى قَوْلٍ مُبْتَدَعٍ يُشْبِهُ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ قَوْلَ الزَّنَادِقَةِ الْإِبَاحِيَّةِ فِي الْمَنْصُوصَاتِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ حُكْمٌ عِنْدَ اللهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ فِي حَقِّ كُل مُكَلَّفٍ يَتْبَعُ اجْتِهَادَهُ وَاعْتِقَادَهُ، فَمَنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْفِعْلِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَمَنِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ وَالصُّوفِيَّةُ وَالْعَامَّةُ وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَعَلَى إنْكَارِ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وإِجْمَاعِ السَّلَفِ؛ بَل هُوَ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ الصرِيحِ.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ وَالِاعْتِقَادَاتُ وَالْأَقْوَالُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي يَتْبَعُهَا الْمَحْكُومُ: فَهِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالتَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ، وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيُسَمِّيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ: الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، وَتُسَمَّى الْفُرُوعُ وَالْفِقْهُ وَنَحْو ذَلِكَ.
وَهَذِهِ تَكونُ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ، وَتَكُونُ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنَ السِّيَاسَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهِيَ الَّتِي قَصَدْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ حَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الِاعْتِقَادَاتِ قَد تُؤَثّرُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَهَذِهِ أَيْضًا النَّاسُ فِيهَا طَرَفَانِ وَوَسَطٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute