قَوْلُهُ: "يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا". الصَّحِيحُ أَنَّ الذَّمَّ لِمَن يَشْهَدُ بِالْبَاطِلِ، كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ ألْفَاظِ الْحَدِيثِ: "ثُمَّ يَفْشُو فِيهِمْ الْكذِبُ، حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُلُ ولَا يُسْتَشْهَدُ"؛ وَلهَذَا قَرَنَ ذَلِكَ بِالْخِيَانَةِ وَبِتَرْكِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَهَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثَة هِيَ آيةُ الْمُنَافِقِ.
وَفِي الْقُرُونِ الَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحَّ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ.
وَلهَذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ مَدِينَةٍ مِنَ الْمَدَائِنِ حُجَّةٌ يَجِبُ اتَّبَاعُهَا غَيْرُ الْمَدِينَةِ لَا فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهَا.
وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي إجْمَاعِهِمْ فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ الْمُفَضَّلَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَد اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَ إجْمَاعَ أَهْلِهَا لَيْسَ بِحُجَّة؛ إذ كَانَ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْعُلَمَاءِ مَا لَمْ يَكُن فِيهَا.
فَأَمَّا الأعْصَارُ الثَّلَاثَةُ الْمُفَضَّلَةُ فَلَمْ يَكُن فِيهَا بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ بِدْعَة ظَاهِرَةٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا خَرَجَ مِنْهَا بِدْعَةٌ فِي أُصُولِ الذينِ أَلْبَتَّةَ كَمَا خَرَجَ مِن سَائِرِ الْأَمْصَارِ.
وَلَمْ يَزَلِ الْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ بِهَا ظَاهِرًا إلَى زَمَنِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهُم أَهْلُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ؛ حَيْثُ أَخَذَ ذَلِكَ الْقَرْنُ عَن مَالِكٍ وَأَهْلِ طَبَقَتِهِ كَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِي، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ زيدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَأَمْثَالِهِمْ.
وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا عَن طَوَائِفَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأُولَئِكَ أَخَذُوا عَمَّن أَدْرَكُوا مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَالْكَلَامُ فِي إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ.
وَالتَّحْقِيق فِي "مَسْأَلَةِ إجْمَاعِ أَهْلِ "الْمَدِينَةِ" أَنَّ مِنْهُ مَا هوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُ مَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُ مَا لَا يَقُولُ بِهِ إلَّا بَعْضُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute