للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ:

الْأُولَى: مَا يَجْرِي مَجْرَى النَّقْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ مِثْلُ نَقْلِهِمْ لِمِقْدَارِ الصَّاعِ وَالْمُدّ، وَكَتَرْكِ صَدَقَةِ الْخَضْرَاوَاتِ وَالْأَحْبَاسِ: فَهَذَا مِمَّا هُوَ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.

الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَة: الْعَمَلُ الْقَدِيمُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عفان، فَهَذَا حُجَّة فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَكَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد: أَنَّ مَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَهُوَ حُجَّة يَجِبُ اتِّبَاعُهَا، وَقَالَ أَحْمَد: كُلُّ بَيْعَةٍ كَانَت فِي الْمَدِينَةِ فَهِيَ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَت بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْعَةُ عَلِيٍّ كانت بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعْقَد بِالْمَدِينَةِ بَيْعَةٌ.

وَقَد ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي" (١).

الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا تَعَارَضَ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلَانِ؛ كَحَدِيثَيْنِ وَقِيَاسَيْنِ جُهِلَ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ، وَأَحَدُهُمَا يَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَفِيهِ نِزَاعٌ:

أ- فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

ب- وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

وَلأَصْحَابِ أَحْمَد وَجْهَانِ.

ومَذَاهِبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ تُوَافِقُ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي التَّرْجِيحِ لِأَقْوَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: الْعَمَلُ الْمُتَأخّرُ بِالْمَدِينَةِ، فَهَذَا هَل هُوَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّة يَجِبُ اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا؟


(١) رواه الإمام أحمد (١٧١٤٢)، وابن ماجه (٤٢)، والترمذي (٢٦٧٦ بم وأبو داود (٤٦٠٧)، وصحَّحه الترمذي والألباني في صفة الفتوى (٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>