الْعِرَاقِ الَّذِينَ يُقَدِّرُونَ أَقَلَّ الْمَهْرِ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، لَكِنَّ النِّصَابَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فَالنِّصَابُ عِنْدَهُم ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَو رُبُعُ دِينَارٍ، كَمَا جَاءَت بذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ.
فَيُقَالُ: أَوَّلًا: إنَّ مِثْل هَذِهِ الْحِكَايَةِ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَهُم كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَافِقَهُم وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ، يَعِيبُونَ الرَّجُلَ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا ثَانِيًا: فَمِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَلِيل جِدًا، وَمَا مِن عَالِمٍ إلَّا وَلَهُ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَأَكْثَرُهُ نَجِدُ مَالِكًا قَد قَالَ بِهِ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ طَائِفَةٌ مِن أَصْحَابِهِ كَمَسْألَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ.
وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ رَوَوْا عَن مَالِكٍ الرَّفْعَ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ، لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ هَمُ الَّذِينَ قَالُوا بالرّوَايَةِ الْأُولَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُدَوَّنَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْلُهَا مَسَائِلُ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ الَّتِي فَرَّعَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهَا أَسَدٌ ابْنَ الْقَاسِمِ، فَأَجَابَة بِالنَّقْلِ عَن مَالِكٍ، وَتَارَةً بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ أَصْلُهَا فِي رِوَايَةِ سحنون، فَلِهَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَيْلِ إلَى أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وإِن لَمْ يَكُن ذَلِكَ من أُصُولِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَيُمْكِنُ الْمُتَّبعُ لِمَذْهَبِهِ أَنْ يًتْبَعَ السّنَّةَ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ؛ إذ قَلَّ مِن سُنَّةٍ إلَّا وَلَهُ قَوْلٌ يُوَافِقُهَا، بِخِلَافِ كَثِيرٍ مِن مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَإِنَّهُم كَثِيرًا مَا يُخَالِفُونَ السُّنَّةَ وإِن لَمْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ.
ثُمَّ مَن تَدَبَّرَ أُصُولَ الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدَ الشَرِيعَةِ وَجَدَ أصُولَ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحَّ الْأصُولِ وَالْقَوَاعِدِ.
لَكِنَّ جُمْلَةَ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ رَاجِحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِقَوَاعِدَ جَامِعَةٍ، مِنْهَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute