وَهَذَا مِن تَمَامِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ، كَمَا أَنَّهُ فِي الْعِلْم بِالزَّكَاةِ وَفِي الْمُقَاسَمَةِ أَقَامَ الْخَرْصَ مَقَامَ الْكَيْلِ، فَكَانَ يَخْرُصُ الثِّمَارَ عَلَى أَهْلِهَا يُحْصِي الزَّكَاةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يُقَاسِمُ أَهْلَ خَيْبَرَ خَرْصًا بِأَمْرِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وَمَعْلُومٌ أنَّهُ إذَا أَمْكَنَ التَّقْدِيرُ بِالْكَيْلِ فُعِلَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ كَانَ الْخَرْصُ قَائِمًا مَقَامَهُ لِلْحَاجَةِ؛ كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ فِي الْمَعْلُومِ وَالْعَلَامَةِ؛ فَإِن الْقِيَاسَ يَقُومُ مَقَامَ النَّصِّ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالتَّقْوِيمَ يَقُومُ مَقَامَ الْمِثْل وَعَدَمِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْل وَالثَّمَنِ الْمُسَمَّى.
وَمِن هَذَا الْبَابِ: الْقَافَةُ، الَّتِي هِيَ اسْتِدْلَالٌ بِالشَّبَهِ عَلَى النسَبِ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْقَرَائِنِ؛ إذِ الْوَلَدُ يُشْبِهُ وَالِدَهُ فِي الْخَرْصِ، وَالْقَافَةُ وَالتَّقْوِيمُ أَبْدَالٌ فِي الْعِلْمِ؛ كَالْقِيَاسِ مَعَ النَّصِّ.
وَإِذَا أَتْلَفَ لَهُ مَالًا؛ كَمَا لَو تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَارِيةُ: فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، وَإِن تَعَذَّرَ الْمِثْلُ كَانَتِ الْقِيمَةُ -وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ- بَدَلًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ، وَلهَذَا كَانَ مَن أَوْجَبَ الْمِثْل فِي كُلِّ شَيءٍ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيمَةِ أَقْرَبَ إلَى الْعَدْلِ مِمَن أَوْجَبَ الْقِيمَةَ مِن غَيْرِ الْمِثْلِ، وَفِي هَذَا كَانَت قِصَّةُ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ.
وَحِينَئِذٍ فَتَجْوِيزُ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ بَيعِهَا بِالْكَيْلِ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، مَعَ ثُبُوتِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَالِكٌ جَوَّزَ الْخَرْصَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَهَذَا عَيْنُ الْفِقْهِ الصَّحِيحِ.
وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَن وَافَقَهُم كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: أَنَّة يُضْمَنُ بِالْمِثْل فِي الصُّورَةِ كَمَا مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ وَأَقْضِيَةُ الصَّحَابَةِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمُحَرَّمُ نَوْعَيْنِ:
أ- نَوْعٌ لِعَيْنِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute