للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَابْنُ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ: "مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِن ضَمَانِ الْمُشْتَرِي".

فَتَبَيَّنَ أَنَّ مِثْل هَذَا الطَّعَامِ مَضْمُون عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَنْقلَهُ، وَغَلَّةُ الثِّمَارِ وَالْمَنَافِعُ لَهُ أَنْ يَتَصَرُّفَ فِيهَا، وَلَو تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبْضِهَا كَانَت مِن ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ وَالْبَائِعِ، وَالْمَنَافِعُ لَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا.

وَكَذَلِكَ الثِّمَارُ لَا تُبَاعُ عَلَى الْأشْجَارِ بَعْدَ الْجِذَاذِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ الْمَنْقُولِ.

وَالسُّنَّةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْقَادِرِ عَلَى الْقَبْضِ وَغَيْرِ الْقَادِرِ فِي الضَّمَانِ وَالتَّصَرفِ (١)، فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ كُلِّهِ، وَقَوْلُهُم أعْدَلُ مِن قَوْلِ مَن يُخَالِفُ السُّنَّةَ.

ثم إنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَهُوَ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ بِخَرْص.

وَكَمَا نَهَى عَن بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالطَّعَامِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، وَالْخَرْصُ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُ المكال، إنَّمَا هُوَ حَزْز وَحَدْسٌ، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ.

ثُمَّ إنَّهُ قَد ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا يَبْتَاعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا، فَيَجُوزُ ابْتِيَاعُ الرِّبَوِيِّ هُنَا بِخَرْصِهِ، وَأَقَامَ الْخَرْصَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَقَامَ الْكَيْلِ،


(١) قال ابن عثيمين رحمه الله: أما عند شيخ الإسلام رحمه الله فكل مبيع لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه إلا إذا باعه تولية أو باعه على البائع، كما أنه يخص التصرف بالبيع، ونحن نقول: نلحق بالبيع ما كان بمعناه، وأما بالنسبة للضمان فيقول: إن المدار في الضمان على التمكن من القبض، فإن تمكن المشتري من القبض فالضمان عليه، وإن لم يتمكن فالضمان على البائع، ويوافق المذهب فيما إذا منعه البائع فإن الضمان على البائع، ويوافق المذهب أيضًا فيما إذا بذل البائع التسليم فأبى المشتري -فيما يضمنه البائع- فالضمان على المشتري. الشرح الممتع (٨/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>