للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا الْعَقْدِ أَنْ يَقْبض (١) الْمُشْتَرِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَمَا لَمْ يَمْلِكْهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ الْعَيْنِ دُونَ بَعْضٍ: كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا دُونَ مَنْفَعَتِهَا.

ثُمَّ سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْبِضُ الْعَيْنَ أَو قِيلَ: لَا يَقْبِضُهَا بِحَالٍ: لَا يَضرُّ ذَلِكَ؛ فإِنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ هُوَ مِن تَمَامِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ فِي الرَّهْنِ؛ بَل الْمِلْكُ يَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرى تَابِعًا، وَيَكُونُ نَمَاءُ الْمَبِيعِ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِن كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلَكِنَّ أَثَرَ الْقَبْضِ إمَّا فِي الضَّمَانِ وَإِمَّا فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ.

وَمَن جَعَلَ التَّصَرُّفَ تَابِعًا لِلضَّمَانِ فَقَد غَلِطَ؛ فَإِنَّهُم مُتَّفِقونَ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْإِجَارَةِ إذَا تَلِفَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِ الْمُسْتَأجِرِ مِنَ اسْتِيفَائِهَا كَانَت مِن ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ، وَمَعَ هَذَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ ئؤَجِّرَهَا بِمِثْل الْأُجْرَةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي إيجَارِهَا بِأَكْثَرَ مِنَ الْأُجْرَةِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ رِبْحًا فِيمَا لَا يُضْمَنُ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنَّهَا إذَا تَلِفَتْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ كَانَت مِن ضَمَانِهِ، وَلَكِنْ إذَا تَلِفَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَكُن مِن ضمَانِهِ.

وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ فَقَد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ جُزَافًا (٢) عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَهَى أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ إلَى رِحَالِنَا.


(١) في الأصل: (يَقْتَضِيَ)، وهي كذلك في بحثه المفرد باسم: رِسَالَةٌ فِي صِحَّةِ مَذْهَبِ أهْلِ الْمَدِينَةِ، ولعل الصواب المثبت، وهو الذي يصح معه المعنى.
(٢) بيْعُ الْجُزافِ اصْطِلاحًا: هُو بَيْعُ ما يُكال، أو يُوزنُ، أو يُعَدُّ، جُمْلة بلا كَيْلٍ ولا وَزْنِ، ولا عَدٍّ.
والْأصْل أَنَّ مِن شَرْطِ صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ أنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ مِن كُل وَجْهٍ، بَل يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَفِي بَيْعِ الْجُزَافِ يَحْصُل الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ، كَبَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ، دُونَ مَعْرِفَةِ كَيْلِهَا أَو وَزْنِهَا، وَبَيْعِ قَطِيعِ الْمَاشِيَةِ دُونَ مَعْرِفَةِ عَدَدِهَا، وَبَيْعِ الْأرْضِ دُونَ مَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهَا، وَبَيْعِ الثوْبِ دُونَ مَعْرِفَةِ طُولِهِ.
وَبَيْعُ الْجُزَافِ اسْتُثْنِيَ مِنَ الْأصْل لِحَاجَةٍ النَاسِ وَاضْطِرَارِهِمْ إِلَيْهِ، بمَا يَقْتَضِي التَّسْهِيل فِي التَّعَامُل.
والدليل على جوازه حديث ابن عمر هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>