للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرَّائِحَةُ، وَلَمْ يَكُن هُنَاكَ شُبْهَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَأثُورُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.

وَمَذْهَبُهُم فِي الْأَحْكَامِ أَنَّهُم يُرَجّحُونَ جَانِبَ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَيَجْعَلُونَ الْيَمِينَ فِي جَانِبِهِ، فَيَقْضُونَ بِالشَّاهِدِ وَيمِينِ الطَّالِبِ فِي الْحُقُوقِ، وَفِي الْقَسَامَةِ يَبْدَءُونَ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِينَ، فَإِنْ حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا اسْتَحَقُّوا الدَّمَ.

وَالْكُوفِيُّونَ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُحَلِّفُونَ الْمُدَّعِي لَا فِي قَسَامَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَقْضُونَ بِشَاهِدٍ وَيمِينٍ، وَلَا يَرَوْنَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّحِيحَةَ تُوَافِقُ مَذْهَبَ الْمَدَنِيِّينَ.

وَكَذَلِكَ "مَسْأَلَةُ الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَيمِين" فِيهَا أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ.

وَلَيْسَ مَعَ الْكُوفِيِّينَ إلَّا مَا يَرْوُونَهُ مِن قَوْلِهِ: "الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَن أَنْكَرَ"، وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ فِي السُّنَنِ (١).

وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحِ (٢) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: "لَو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُم لَادَّعَى قَوْئم دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِن الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (٣).

وَهَذَا اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يُقَالَ: لَا عُمُومَ فِيهِ؛ بَل اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذ لَيْسَ مَعَ الْمُدَّعِي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى كَمَا قَالَ: "لَو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ" وَمَن يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ لَا يُحَلِّفُهُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى؛ بَل إنَّمَا يُحَلّفُهُ إذَا قَامَتْ حُجَّةٌ يَرْجَحُ بِهَا جَانِبُة؛ كَالشَّاهِدِ فِي الْحُقُوقِ.


(١) ولكن رواه الترمذي بلفظ: "البَيَّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"، وقال: هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَاد مَقَالٌ.
(٢) البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١).
(٣) قال الترمذي: العَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ البَيَّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَاليَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>