للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِن ذَلِكَ أَنَّ الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ الْكُبْرَى كَانَ الصَّحَابَةُ فِيهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ:

أ- فِرْقَة قَاتَلَتْ مِن هَذِهِ النَّاحِيَةِ.

ب- وَرْقَةٌ قَاتَلَتْ مِن هَذِهِ النَّاحِيَةِ.

ج- وَفِرْقَةٌ قَعَدَتْ.

وَالْفقَهَاءُ الْيَوْمَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أ- مِنْهُم مَن يَرَى الْقِتَالَ مِن نَاحِيَةِ عَلِيٍّ؛ مِثْل أَكْثَرِ الْمُصَنِّفِينَ لِقِتَالِ الْبُغَاةِ.

ب- وَمِنْهُم مَن يَرَى الْإِمْسَاكَ (١)، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِن قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَمْرِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ تُوَافِقُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ، وَلهَذَا كَانَ الْمُصَنِّفُونَ لِعَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَذْكُرُونَ فِيهِ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَالْإِمْسَاكَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.

ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ قِتَالَ مَن خَرَجَ عَنِ الشَّرِيعَةِ كالحرورية وَغَيْرِهِمْ، ويُفَرِّقونَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثُ فِي الْخَوَارجِ مِن عَشْرَةِ أَوْجُهٍ خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهَا.

وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالسُّنَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ، وَاتَّبَعُوا النَّصَّ الصَّحِيحَ وَالْقِيَاسَ الْمُسْتَقِيمَ الْعَادِلَ؛ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ مِنَ الْعَدْلِ وَهُوَ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَخَالِفَيْنِ.

وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِاتِّبَاعِ النَّصِّ الصَّحِيحِ وَالْقِيَاسِ الْعَادِلِ.

وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهُ؛ وَقَد ذَكَرْنَا مِن ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْكِبَارِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.


(١) وأما مَن يَرَى الْقِتَالَ مِن نَاحِيَةِ معاوية فلا قائل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>