للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنَّمَا هَذَا جَوَابُ فُتْيَا نَبَّهْنَا فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى جُمَل يُعْرَفُ بِهَا بَعْضُ فَضَائِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا مِنَ الدِّينِ، لَا سِيَّمَا إذَا جَهِلَ النَّاسُ مِقْدَارَ عِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَبَيَانُ هَذَا يُشْبِهُ بَيَانَ عِلْمِ الصَّحَابَةِ وَدِينِهِمْ إذَا جَهِلَ ذَلِكَ مَن جَهِلَهُ، فَكَمَا أَنَ بَيَانَ السُّنَّةِ وَفَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَتَقْدِيمِهِم الصِّدِّيقَ وَالْفَارُوقَ مِن أَعْظَمِ أُمُورِ الدّينِ عِنْدَ ظُهُورِ بِدَعِ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ فَكَذَلِكَ بَيَانُ السُّنَّةِ؛ وَمَذَاهِبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَتَرْجِيحُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهَا مِن مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ: أَعْظَمُ أُمُورٍ الدِّينِ عِنْدَ ظُهُورِ بِدَعِ الْجُهَّالِ الْمُتَّبِعِينَ لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ. [٢٠/ ٢٩٤ - ٣٩٦]

١٨٧١ - مَعْلُومٌ أَنَّ أَوَّلَ مَن عُرِفَ أَنَهُ جَرَّدَ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ هُوَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ لَمْ يُقَسّم الْكَلَامَ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ؛ بَل لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِ- مَعَ كَثْرَةِ اسْتِدْلَالِهِ وَتَوَسُّعِهِ وَمَعْرِفَتِهِ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ- أَنَّهُ سَمَّى شَيْئًا مِنْهُ مَجَازًا، وَلَا ذَكَرَ فِي شَيءٍ مِن كُتُبِهِ ذَلِكَ، لَا فِي الرِّسَالَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا.

وَحِينَئِذٍ فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَشْهُورِينَ وَغَيْرَهُم مِن أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءِ السَّلَفِ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ كَمَا فَعَلَهُ طَائِفَة مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَانَ ذَلِكَ مِن جَهْلِهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَسَلَفِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَد يَظُنُّ طَائِفَة أُخْرَى أَنَّ هَذَا مِمَّا أُخِذَ مِنَ الْكَلَامِ الْعَرَبِى تَوْقِيفًا، وَأَنَّهُم قَالُوا: هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ، كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَكَانَ هَذَا مِن جَهْلِهِمْ بِكَلَامِ الْعَرَبِ.

ولَا رَيْبَ أَنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ قَسَّمُوا هَذَا التَّقْسِيمَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمْ إمَامٌ فِي فَنٍّ مِن فُنُونِ الْإسْلَامِ، لَا التَّفْسِيرِ، وَلَا الْحَدِيثِ، وَلَا الْفِقْهِ، وَلَا اللُّغَةِ، وَلَا النَّحْوِ؛ بَل أَئِمَّةُ النُّحَاةِ أَهْلُ اللُّغَةِ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاءِ وَأَمْثَالِهِمْ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَأَبِي زيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو الشيباني وَغَيْرِهِمْ: لَمْ يُقَسِّمُوا تَقْسِيمَ هَؤُلَاءِ (١). [٢٠/ ٤٠٣ - ٤٠٥]


(١) أطال في الرد على القائلين بالمجاز، وخاصة الآمدي وابن عقيل، في (٩٨) صفحة. (٤٠٠ - ٤٩٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>