للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يَقْصِدَ مِثْلَمَا قَصَدَ، فَإِذَا سَافَرَ لِحَجٍّ أَو عُمْرَةٍ أَو جِهَادٍ وَسَافَرْنَا كَذَلِكَ كُنَّا مُتَّبِعِينَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبَ لِإِقَامَةِ حَدٍّ.

بِخِلَافِ مَن شَارَكَهُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ قَصْدُهُ غَيْرَ قَصْدِهِ أَو شَارَكَهُ فِي الضَّرْبِ، وَكَانَ قَصْدُهُ غَيْرَ قَصْدِهِ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُتَابعٍ لَهُ (١)، وَلَو فَعَلَ فِعْلًا بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ مِثْل نُزُولهِ فِي السَّفَرِ بِمَكَان، أَو أَنْ يَفْضُلَ فِي إدَاوَتهِ مَاءٌ فَيَصُبَّهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، أَو أَنْ تَمْشِيَ رَاحِلَتُهُ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الطَّرِيقِ وَنَحْو ذَلِكَ، فَهَل يُسْتَحَبُّ قَصْدُ مُتَابَعَتِهِ فِي ذَلِكَ؟

كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ مِثْل ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَسْتَحِبُّوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُتَابَعَة لَة، إذ الْمُتَابَعَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِن الْقَصْدِ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بَل حَصَلَ لَهُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ كَانَ فِي قَصْدِهِ غَيْرَ مُتَابعٍ لَهُ.

وَهَكَذَا لِلنَّاسِ قَوْلَانِ فِيمَا فَعَلَهُ مِن الْمُبَاحَاتِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَصْدِ، هَل مُتَابَعَتُهُ فِيهِ مُبَاحَةٌ فَقَطْ أَو مُسْتَحَبَّةٌ؟

عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.

وَلَمْ يَكن ابْنُ عُمَرَ وَلَا غَيْرُهُ مِن الصَّحَابَةِ يَقْصِدُونَ الْأَمَاكِنَ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُ فِيهَا وَيبِيت فِيهَا مِثْل بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ، وَمِثْل مَوَاضِعِ نُزُولهِ فِي مَغَازِيهِ، وإِنَّمَا كَانَ الْكَلَامُ فِي مُشَابَهَتِهِ فِي صُورَةِ الْفِعْلِ فَقَطْ، وَإِن كَانَ هُوَ لَمْ يَقْصِد التَّعَبُّدَ بِهِ، فَأَمَّا الْأَمْكِنَةُ نَفْسُهَا فَالصَّحَابَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَظَّمُ مِنْهَا إلَّا


(١) هذه قاعدة عظيمة لطيفة، فمن يُجاهد في سبيل الله، ويُقاتل أعداء الله لا يلزم أنْ يكون متبعًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا إذا قصد ما قصده، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - قصدُه الدفاع عن الإسلام، ومحاربة الكفار الذين يقفون عائقًا عن تبليغ رسالته، ولم يُقاتل المسلمين ولا المعاهدين، ما لم ينقضوا العهد.
وكذلك يُقال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أمر أو نهى بعنف، أو بلا رحمة ورفق، فقد خالف قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>