للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا عَظَّمَهُ الشَّارعُ (١). [١٠/ ٤٠٩ - ٤١١]

١٨٨٥ - مِن خَصَائِصِهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَا كَانَ مِن خَصَائِص نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ: فَهَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

وَهَذَا مِثْلُ كَوْنِهِ يُطَاعُ فِي كُلّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَينْهَى عَنْهُ وَإِن لَمْ يُعْلَمْ جِهَة أَمْرِهِ، حَتَّى يُقْتَلَ كُلُّ مَن أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَد بَعْدَهُ، فَوُلَاةُ الْأمُورِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ يُطَاعُونَ إذَا لَمْ يَأْمُرُوا بِخِلَافِ أَمْرِهِ؛ وَلهَذَا جَعَلَ اللهُ طَاعَتَهُم فِي ضِمْنِ طَاعَتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩]، فَقَالَ: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ}؛ لِأَنَّ أُولي الْأَمْرِ يُطَاعُونَ طَاعَةً تَابِعَةً لِطَاعَتِهِ، فَلَا يُطَاعُونَ اسْتِقْلَالًا وَلَا طَاعَةً مُطْلَقَةً، وَأَمَّا الرَّسُولُ فَيُطَاعُ طَاعَةً


(١) الخلاصة: أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تخلو من سبع حالات:
الحالة الأولى: مَا كَانَ مِن خَصَائِص نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ: فَهَذَا لَيْسَ لِأحَدٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.
الحالة الثانية: ما فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُدِ فَهُوَ عِبَادَة يُشْرَعُ التَّأَسِّي بهِ فِيهِ.
الحالة الثالثة: ما فَعَلَهُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ؛ مِثْل نُزُولهِ فِي السَّفَرِ بِمَكَان، وَمِثْل مَوَاضِعِ نُزُولِهِ فِي مَغَازِيهِ: فهل يُشرع مُشَابَهَته فِي صُورر الْفِعْلِ؟ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
وَأمَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَسْتَحِبُّوا ذَلِكَ؛ لِأنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُتَابَعَة لَهُ، إذ الْمُتَابَعَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِن الْقَصْدِ.
الحالة الرابعة: ما فَعَلَهُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ؛ مِثْل نُزُولهِ فِي السَّفَرِ بمَكَان، وَمِثْل مَوَاضِعِ نُزُولهِ فِي مَغَازِيهِ، ومِثْل بُيُوتِ أزْوَاجِهِ: فهل يُشرع قصدُ هذه الْأمَاكِنَ الَّتَي كَانَ يَنْزِلُ فِيهَا وَيبِيت فِيهَا؟ اتفق الصَّحَابَةِ كلهم أنه لا يُشرع ذلك، فَالصَّحَابَةُ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّهُ لَا يُعَظمُ مِن الْأمْكِنَةُ إلَّا مَا عَظَّمَهُ الشَّارعُ.
الحالة الخامسة: مَا فَعَلَهُ مِن الْمُبَاحَاتِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَصْدِ، هَل مُتَابَعَتُهُ فِيهِ مُبَاحَةٌ فَقَطْ أَو مُسْتَحَبَّةٌ؟
عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أحْمَد وَغَيْرِهِ.
الحالة السادسة: إِذَاَ فَعَلَ فِعْلًا لِسَبَب وَقَد عَلِمْنَا ذَلِكَ السَّبَبَ أَمْكَنَنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ، كَدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ إمَامًا بَعْدَ أنْ صَلَّى بِالنَاسِ غَيْرُهُ، وَكَتَرْكِهِ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَالِّ وَالْقَاتِل.
فَأَمَّا إذَا لَمْ نَعْلَم السَّبَبَ، أَو كَانَ السَّبَبُ أَمْرًا اتِّفَاقِيًّا: لمْ يُشْرع لنَا أنْ نَقْصِد ما لمْ يَقْصدْهُ.
الحالة السابعة: أن يَفْعَل الْفِعْلَ لِمَعْنَى يَعُمُّ ذَلِكَ النَوْعَ وَغَيْرَهُ، لَا لِمَعْنَى يَخُصُّهُ، فَيَكُونُ الْمَشْرُوعُ هُوَ الْأَمْر الْعَامّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>