للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومعناه؛ فألفاظه تناولت جميع الأحكام، والأحكام كلها معللة بالمعاني المؤثرة، فمعانيه أيضًا متناولة لجميع الأحكام.

وإنا نبيِّن ما يذكره العلماء أنه استحسان على خلاف القياس.

فمن ذلك: ما يذكره أحمد في إحدى الروايتين عنه إذا اعتبر الاستحسان؛ فإنه ذُكر عنه روايتين (١) كما تقدم.

والقول الثالث -وهو الذي يدل عليه أكثر نصوصه-: أن الاستحسان المخالف للقياس صحيح إذا كان بينهما فرق مؤثر قد اعتبره الشارع، وليس بصحيح إذا جمع بغير دليل شرعي دعوى بغير دليل شرعي وأنه لا يجوز ترك القياس الصحيح.

أما قوله: "أستحسن أن يتيمم لكل صلاة؛ لكن القياس أنه بمنزلة الماء حتى يجد الماء أو يحدث" فهذا القياس هو الرواية الأخرى عنه، وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وغيرهم، وهو الصواب كما دل عليه الكتاب والسُّنَّة.


= ثم مثل ذلك بلفظ: "الخمر" و"الميسر" و"الربا" و"الأيمان" وغيرها، فقال: إنَّ الْخَمْرَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ تَنَاوَلَتْ كُل مُسْكِرٍ، فَصَارَ تَحْرِيمُ كُل مُسْكِرٍ بِالنَّصِّ الْعَامِّ وَالْكَلِمَةُ الْجَامِعَة لَا بِالْقِيَاسِ وَحْدَهُ ..
وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَيْسِرِ هُوَ عِنْدَ أكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يَتَنَاوَلُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشّطْرَنْجِ، وَيَتَنَاوَلُ بُيُوعَ الْغَرَرِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْقِمَارِ الَّذِي هُوَ مَيْسِرٌ، إذ الْقِمَارُ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُ الْإنْسَانِ وَهُوَ عَلَى مُخَاطَرَةٍ: هَل يَحْصُلُ لَهُ عِوَضُهُ أو لَا يَحْصُلُ؟ كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْآبِقَ وَالْبَعِيرَ الشارِدَ وَحَبَلَ الْحَبَلَةِ وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا قَد يَحْصُلُ لَهُ وَقَد لَا يَحْصُلُ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَفْظُ الْمَيْسِرِ فِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] و {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكلِّ يَمِينٍ مِن أيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، فَمِن الْعُلَمَاءِ مَن قَالَ: كُل يَمِينٍ مِن أيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهَا كَفَّارَةٌ، كَمَا دَل عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
وَمِنْهُم مَن قَالَ: لَا يَتَنَاوَلُ النَّصُّ إلا الْحَلِفَ بِاسْمِ اللهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا تَنْعَقِدُ وَلَا شيءَ فِيهَا .. وَلَا ريبَ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأوَّلِ. اهـ.
(١) كذا في الأصل منصوبًا، والأصوب لغة: الرفع، ولكن قد يكون لذلك وجهٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>