للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: "القياس" هو قياس الشرع لفظًا ومعنى؛ فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين" (١)، وقوله: "جعلت لي الأرض مسجدًا أو طهورًا" (٢) ونحو ذلك ألفاظ دالة على أن التراب طهور كما جعل الماء طهورًا.

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن العاص: "أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ " (٣): استفهام، سأله أكان ذلك أو لم يكن، وليس خبرًا أنه صلى وهو جنب، فلما أخبره أنه تيمم تبيَّن أنه لم يكن جنبا، [فأقَره] (٤) النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فلو كان المراد الخبر وهو قد صلى مع الجنابة صلاة جائز لم يسأله، وإن كانت الجنابة مانعة من الصلاة مطلقًا لم يقبل عذره.

ونحن إذا قلنا: لا يجوز تخصيص بدون فارق مؤثر أفاد شيئين:

أحدهما: أنه إذا ثبت أنها علة صحيحة لم يجز تخصيصها مثل هذا الموضع.

والثاني: أنه إذا ثبت تخصيصها علم بطلانها، وهذا معنى قولنا: لا

يجتمع قياس صحيح واستحسان صحيح إلا مع الفارق المؤثر من الشرع.

وأما قوله في المضارب: إذا خالف فاشترى غير ما أمر به صاحب المال فالربح لصاحب المال ولهذا أجرة مثله إلا أن يكون الربح يحيط بأجرة مثله فيذهب، قال: وكنت أذهب إلى أن الربح لصاحب المال، ثم استحسنت.

فهذا استحسان منه رآه بفرق مؤثر، أو القياس مستنبط والاستحسان مستنبط، وهو تخصيص لعلة مستنبطة بفرق مستنبط. وأحمد لا يرد مثل هذا الاستحسان.


(١) رواه الترمذي (١٢٤)، والنسائي (٣٢٢)، وأحمد (٢١٣٧١)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي والنسائي.
(٢) رواه البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١).
(٣) رواه أبو داود (٣٣٤)، وأحمد (١٧٨١٢)، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.
(٤) في الأصل: (يأمره)، والمثبت من جامع المسائل (٢/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>