للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُ قِيَاسَا صَحِيحًا، لَكِنْ فِيهَا مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ وَإِن كَانَ مِنَ النَّاسِ مَن لَا يَعْلَمُ فَسَادَهُ.

فَاَلَّذِينَ قَالُوا: الْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ: ظَنُّوا أَنَّ هَذ الْعُقُودَ مِن جِنْسِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا عَمَلٌ بِعِوَض، وَالْإِجَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، فَلَمَّا رَأَوْا الْعَمَلَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَالرِّبْحُ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومِ قَالُوا: تُخَالِفُ الْقِيَاسَ، وَهَذَا مِن غَلَطِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ مِن جِنْسِ الْمُشَارَكَاتِ لَا مِن جِنْسِ الْمُعَاوَضَاتِ الْخَاصَّةِ، الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ بِالْعِوَضَيْنِ، وَالْمُشَارَكَاتُ جِنْسٌ غَيْرُ جِنْسِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِن قِيلَ: إنَّ فِيهَا شَوْبَ الْمُعَاوَضَةِ.

وَإِيضَاحُ هَذَا: أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاع:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَقْصُودًا مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ: فَهَذه الْإِجَارَةُ اللَّازِمَةُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَقْصُودًا لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ أَو غَرَرٌ: فَهَذِهِ الْجَعَالَة، وَهِيَ: عَقْدٌ جَائِز لَيْسَ بِلَازِمِ، فَإِذَا قَالَ: مَن رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ مِائَةٌ فَقَد يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَقَد لَا يَقْدِرُ، وَقَد يَرُدُّهُ مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَد يَرُدُّهُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ، فَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً لَكِنْ هِيَ جَائِزَةٌ فَإِنْ عَمِلَ هَذَا الْعَمَلَ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِلَّا فَلَا، ويجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ فِيهَا إذَا حَصَلَ بِالْعَمَلِ جُزْءًا شَائِعًا وَمَجْهُولًا جَهَالَةً لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ؛ مِثْل أَنْ يَقُولَ أَمِيرُ الْغَزْوِ: مَن دَلَّ عَلَى حِصْنٍ فَلَهُ ثُلُثُ مَا فِيهِ.

وَمِن هَذَا الْبَابِ إذَا جَعَلَ لِلطَّبِيبِ جُعْلًا عَلَى شِفَاءِ الْمَرِيضِ جَازَ، كَمَا أَخَذَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِينَ جُعِلَ لَهُم قَطِيعٌ عَلَى شِفَاءِ سَيِّدِ الْحَيِّ، فَرَقَاهُ بَعْضُهُم حَتَّى بَرِئَ فَأَخَذُوا الْقَطِيعَ؛ فَإِنَّ الْجُعْلَ كَانَ عَلَي الشِّفَاءِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>