وَلَو اسْتَأجَرَ طَبِيبًا إجَارَةً لَازِمَةً عَلَى الشِّفَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الشّفَاءَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ، فَقَد يَشْفِيهِ اللهُ وَقَد لَا يَشْفِيهِ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الْجَعَالَةُ دُونَ الْإِجَارَةِ اللَّازمَةِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِث: فَهُوَ مَا لَا يُقْصَدُ فِيهِ الْعَمَلُ؛ بَل الْمَقْصُودُ الْمَالُ، وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ فِي نَفْسِ عَمَلِ الْعَامِلِ، كَمَا لِلْجَاعِلِ وَالْمُسْتَأجِرِ قَصدٌ فِي عَمَلِ الْعَامِلِ.
وَلهَذَا لَو عَمِلَ مَا عَمِلَ وَلَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا لَمْ يَكُن لَهُ شَيءٌ، وَإِن سُمِّيَ هَذَا جَعَالَةً بِجُزْءٍ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ: كَانَ نِزَاعًا لَفْظِيًّا؛ بَل هَذِهِ مُشَارَكَةٌ: هَذَا بِنَفْعِ بَدَنِهِ وَهَذَا بِنَفْعِ مَالِهِ، وَمَا قَسَمَ اللهُ مِنَ الرِّبْحِ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِشَاعَةِ؛ وَلهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِرِبْحٍ مُقَدَّرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُهُمَا عَنِ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ فِي الشَّرِكَةِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمُزَارَعَةِ، فَإِنَّهُم كَانُوا يَشْرُطُونَ لِرَبِّ الْمَالِ زَرْعَ بُقْعَةِ بِعَيْنِهَا.
وَلهَذَا كَانَ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ رِبْحُ الْمِثْل لَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَيُعْطَى الْعَامِلُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنْ يُعْطَاهُ مِثْلُهُ مِنَ الرِّبْحِ: إمَّا نِصْفُهُ وَإِمَّا ثُلُثُهُ وَإِمَّا ثُلُثَاهُ.
فَأمَّا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا مُقَدَّرًا مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ كَمَا يُعْطَى فِي الْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ: فَهَذَا غَلَطٌ مِمَن قَالَهُ.
وَسَبَبُ الْغَلَطِ ظَنُّهُ أَنَّ هَذَا إجَارَةٌ.
وَكَذَلِكَ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ ظَنُّوا أَنَّهَا إجَارَةٌ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ فَأَبْطَلُوهَا.
وَالْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ جَمِيعِهَا هُوَ الْعَدْلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute