للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد دَعَا لِلْخَلِيفَةِ وَغَيْرِهِ مِمَن ضَرَبَهُ وَحَبَسَة وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وحلَّلهم مِمَّا فَعَلُوهُ بِهِ مِن الظُلْمِ وَالدُّعَاءِ إلَى الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ (١)، وَلَو كَانُوا مُرْتَدِّينَ عَن الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزِ الِاسْتِغْفَارُ لَهُم؛ فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَفَّارِ لَا يَجُوزُ بِالْكِتَاب وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ مِنْهُ وَمِن غَيْرِهِ مِن الْأَئِمَّةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُم لَمْ يُكَفرُوا الْمُعَيَّنِينَ مِن الْجَهْمِيَّة، الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ.

وَقَد نُقِلَ عَن أَحْمَد مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَفَّرَ بِهِ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ، فَأَمَّا أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ، أَو يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَيُقَالُ: مَن كَفَّرَهُ بِعَيْنِهِ فَلِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أنَّهُ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّكْفِيرِ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ، وَمَن لَمْ يُكَفِّرْهُ بِعَيْنِهِ فَلِانْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ.

هَذا مَعَ إطْلَاقِ قَوْلِهِ بِالتَّكْفِيرِ عَلَى سبِيلِ الْعُمُومِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالِاعْتِبَارُ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: ٥]، وقَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦].


(١) قارن بين فعل هذا الإمام الجليل مع خصومه في العقيدة، الذين لم يكتفوا بمخالفته في عقيدته ومذهبه، بل تعدّوا عليه بالضرب والسبّ والحبس، ومنعوه من الدروس ونشر العلم، وبين طائفةٍ من الناس، لم يحتملوا أذى إخوانهم في العقيدة والدين، فقاطعوهم، أو انتقموا منهم الذين أكثروا من الطعن والسب المقذع والنيل من أناسٍ صالحين نحسبهم والله حسيبهم، وليس لنا إلا ما ظهر منهم، بل إنهم من الدعاة والمشايخ الذين لهم قبول عند الخاصة والعامة، والعجيب أن من رحمة الله بهؤلاء الدعاة والمصلحين أنهم لم يتكلموا في أولئك الطاعنين، ولا وصل إليهم منهم أذى!! فلماذا يطعنون في إخوانهم؟ وأين هم من الاقتداء بهذا الإمام؟ والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>