للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ج- أَو اعْتَقَدَ مَعْنًى آخَرَ لِنَوْعٍ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ (١).

فَهَذَا قَد جُعِلَ فِيهِ مِن الْإِيمَانِ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُثِيبَهُ اللهُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يُؤْمِن بِهِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ مُخَالِفُهَا.

وَأَيْضًا: فَقَد ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ مِن الْخَطَأِ فِي الدِّينِ مَا لَا يَكْفُرُ مُخَالِفُهُ؛ بَل وَلَا يَفْسُقُ؛ بَل وَلَا يَأْثَمُ، مِثْلُ الْخَطَأِ فِي الْفُرُوعِ الْعَمَلِيَّةِ.

وَإِن كَانَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا آثِمٌ، وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِيهَا مُصِيبٌ، فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ شَاذَّانِ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَكْفِيرِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَد ثَبَتَ خَطَأُ الْمُنَازعِ فِيهَا بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ الْقَدِيمِ، مِثْلُ اسْتِحْلَالِ بَعْضِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الرِّبَا، وَاسْتِحْلَالِ آخَرِينَ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْخَمْرِ، وَاسْتِحْلَالِ آخَرِينَ لِلْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوفِينَ بِالْخَيْرِ؛ كَالصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِن أَهْلِ الْجَمَلِ وصفين مِنَ الْجَانِبَيْنِ، لَا يُفَسَّقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَضْلًا عَن أَنْ يُكَفَّرَ، حَتَّى عَدَّى ذَلِكَ مَن عَدَّاهُ مِن الْفُقَهَاءِ إلَى سَائِر أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنَّهُم مَعَ إيجَابِهِم لِقِتَالِهِمْ مَنَعُوا أَنْ يُحْكَمَ بِفِسْقِهِمْ لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ، كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ: إنَّ شَارِبَ النَّبِيذِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مُتَأَوِّلًا لَا يُجْلَدُ وَلَا يَفْسُقُ.

وَقَد ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِن حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ العاص وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" (٢).


(١) كمن فهم من القرآن والسُّنَّة مُرادًا غير ما أراده الله ورسوله، وغير ما فهم الصحابةُ وسلف الأمة: فإنه لا يُؤاخذ إذا كان هذا مبلغ علمه وجهدِه.
فهذه ثلاثةُ أعذارِ تُسقط عقوبَتَه في الدنيا والآخرة، وتمنع القدح فيه.
(٢) رواه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (٤٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>