للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَذَلِكَ قَولهُ: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨)} [الأنعام: ١٤٨]، مُطَالَبَةٌ بِالْعِلْمِ وَذَمٌّ لِمَن يَتَّبعُ الظَنَّ وَمَا عِنْدَهُ عِلْمٌ.

وَالِاجْتِهَادُ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ مِمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ.

وَلَا يُوجَدُ مَن يَسْتَغْنِي عَن الظَوَاهِرِ وَالْأَخْبَارِ وَالْأَقْيِسَةِ؛ بَل لَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلَ بِبَعْضِ ذَلِكَ مَعَ تَجْوِيزِ نَقِيضِهِ (١)، وَهَذَا عَمَلٌ بِالظَّنِّ، وَالْقُرْآنُ قَد حَرَّمَ اتِّبَاعَ الظَّنِّ.

وَقَد تَنَوَّعَتْ طُرُقُ النَّاسِ فِي جَوَازِ هَذَا، فَطَائِفَةٌ قَالَتْ (٢): لَا يُتَّبَعُ قَطُّ إلَّا الْعِلْمُ وَلَا يُعْمَلُ بِالظَّنِّ أَصْلًا.

وَهُنَا السُّؤَالُ الْمَشْهُورُ فِي حَدِّ الْفِقْهِ: أَنَّهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ.

وَقَالَ الرَّازِي: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُسْتَدَلِّ عَلَى أَعْيَانِهَا، بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهَا مِن الدِّينِ ضَرُورَةً.

قَالَ: فَإِنْ قُلْت: الْفِقْهُ مِن بَابِ الظُّنُونِ فَكَيْفَ جَعَلْته عِلْمًا؟

قُلْت: الْمُجْتَهِدُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مُشَارَكَةُ صُورَةٍ لِصُورَةٍ فِي مَنَاطِ الْحُكمِ قَطَعَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ ظَنُّهُ، فَالْعِلْمُ حَاصِلٌ قَطْعًا، وَالظَّنِّ وَاقِعٌ فِي طَرِيقِهِ. اهـ.

وَحَقِيقَةُ هَذَا الْجَوَابِ أنَّ هُنَا مُقَدِّمَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ قَد حَصَلَ عِنْدِي ظَنٌّ.

وَالثَّانِيَةُ: قَد قَامَ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ عَلَى وُجُوبِ اتِّباعِ هَذَا الظَّنِّ.


(١) أي: قد يعمل بقولِ، وهو يُجوّز أنْ يكون الراجح في القول الآخر المخالف لقوله.
(٢) هذا القول الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>