للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَكِنْ يُقَالُ: الْعَمَلُ بِهَذَا الظَّنِّ هُوَ حُكْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ لَيْسَ هُوَ الْفِقْهَ؛ بَل الْفِقْهُ هُوَ ذَاكَ الظَّنُّ الْحَاصِل بِالظَّاهِرِ؛ وَخَبَر الْوَاحِدِ، وَالْقِيَاسُ، وَالْأصُولُ: تُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ بهَذَا الظَّنِّ وَاجِبٌ (١)، وَإِلَّا فَالْفُقَهَاءُ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا، فَهَذَا الْحُكْمُ الْعَمَلِيُّ الْأُصُولِيُّ لَيْسَ هُوَ الْفِقْهَ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَن نَصَرَ قَوْله (٢): قَد يَكُونُ بِحَسَبِ مَيْلِ النَّفْسِ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، كَمَيْلِ ذِي الشِّدَّةِ إلَى قَوْلٍ، وَذِي اللِّينِ إلَى قَوْلٍ.

وَحِينَئِذٍ فَعِنْدَهُم مَتَى وَجَدَ الْمُجْتَهِدُ ظَنًّا فِي نَفْسِهِ فَحُكْمُ اللهِ فِي حَقّهِ اتِّبَاعُ هَذَا الظَّنِّ، وَقَد أَنْكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلَ إنْكَارًا بَلِيغًا، وَهُم مَعْذُورُونَ فِي إنْكَارِهِ.

وَالْكلَامُ فِي شَيْئَيْنِ:

١ - فِي اتِّبَاعِ الظَّنِّ (٣).

٢ - وَفِي الْفِقْهِ هَل هُوَ مِن الظُّنُونِ؟

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ هُوَ الْجَوَابُ الثَّالِثُ (٤): وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْمَسَائِلِ الْخَفِيَّةِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأَدِلَّةِ وَيَعْمَلَ بِالرَّاجِحِ.

وَكَوْنُ هَذَا هُوَ الرَّاجِح: أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَمْرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ.

وَإِن قُدِّرَ أَنَّ تَرْجِيحَ هَذَا عَلَى هَذَا فِيهِ شَكٌّ عِنْدَهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ.


(١) مثالُه: أنْ يجتهد الفقيه في حكم قراءة الجنب للقرآن، فيجد في النصوص ما يمنع من ذلك، فيطمئنّ قلبُه للمنع، فهذا من اختصاص الفقيه، ثم تأتي مرحلةٌ أخرى، وهي: أنّ النهي يقتضي التحريم، فيحرم على الجنب قراءة القرآن، وهذا من اختصاص الأصولي، ولكن الفقه لا يستغني عن الأصول أبدًا.
(٢) هذا القول الثاني.
(٣) أي: هل يجوز ذلك، والنصوص كما سبق ذمت من اتبع الظن.
(٤) وهو لم يُذكر من قبل، لكنه ذكره الآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>