للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٠٣٠ - الْقَلْبُ الْمَعْمُورُ بِالتَّقْوَى إذَا رَجَّحَ بِمُجَرَّدِ رَأيِهِ فَهُوَ تَرْجِيحٌ شَرْعِيٌّ.

فَإِذَا كَانَتِ الْفِطْرَةُ مُسْتَقِيمَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ مُنَوَّرَةً بِنُورِ الْقرْآنِ: تَجَلَّتْ لَهَا الْأَشْيَاءُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَزَايَا، وَانْتَفَتْ عَنْهَا ظُلُمَات الْجَهَالَاتِ، فَرَأَتِ الْأُمُورَ عِيَانًا مَعَ غَيْبِهَا عَن غَيْرِهَا.

وَكُلَّمَا قَوِيَ الْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ قَوِيَ انْكِشَافُ الْأمُورِ لَهُ، وَعَرَفَ حَقَائِقَهَا مِن بَوَاطِلِهَا (١)، وَكُلَّمَا ضَعُفَ الْإِيمَانُ ضَعُفَ الْكَشْفُ، وَذَلِكَ مَثَل السِّرَاجِ الْقَوِيِّ وَالسِّرَاجِ الضَّعِيفِ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ.

وَكَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْكَشْفِ يُلْقِي اللهُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ حَرَامٌ، وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَافِرٌ، أَو فَاسِقٌ، او دَيُّوثٌ، أَو كَاذِبٌ مِن غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ؛ بَل بِمَا يُلْقِي اللهُ فِي قَلْبِهِ.

وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ، يُلْقِي فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةً لِشَخْصٍ وَأَنَّهُ مِن أَوْليَاءِ اللهِ، وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ صَالِحٌ، وَهَذَا الطَّعَامَ حَلَالٌ، وَهَذَا الْقَوْلَ صِدْق، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَبْعَدَ فِي حَقِّ أَوْليَاءِ اللهِ الْمُؤمِنِينَ الْمُتَّقِينَ.

وَقِصَّةُ الْخَضرِ مَعَ مُوسَى هِيَ مِن هَذَا الْبَابِ (٢)، وَانَّ الْخَضِرَ عَلِمَ هَذِهِ الْأحْوَالَ الْمُعَيَّنَةَ بِمَا أَطْلَعَة اللهُ عَلَيْهِ. [٢٠/ ٤٢ - ٤٧] (٣)

٢٠٣١ - إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَسَنَاتِ لَهَا مَنَافِعُ -وَإِن كَانَت وَاجِبَةً-: كَانَ فِي تَرْكِهَا مَضَارُّ، وَالسَّيِّئَات فِيهَا مَضَارُّ، وَفِي الْمَكْرُوهِ بَعْضُ حَسَنَاتٍ، فَالتَّعَارُضُ:


(١) فيعرف حقيقة الدنيا وأنها فانيةٌ لا تسوى من تعب لأجلها، ويعرف حقيقة المناصب والرئاسة وأنها لا تُحمد لذاتها، ويعرف حقيقة العلم وشرفه، وأنه من لذائذ الدنيا ومُتعها، وعزّ الإنسان وشرفه ورفعته، ويعرف الشر وأسبابه فيجتنبه، ويعرف الخير وأسبابه فيعمل به.
(٢) أي: من باب الفراسة، وكأن الشيخ رحمه الله يُشير أن الخضر ليس نبيًّا؛ لأنه لو كان نبيًّا لاستغنى بالوحي عن الفراسة ونحوها.
(٣) تحدث عن هذه المسألة في المجلد العاشر (ص ٤٧٢ - ٤٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>