للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، فَإِذَا تَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُسْتَفْتِي أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: إمَّا لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ بِحَسَبِ تَمْيِيزِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ قَائِلِهِ أَعْلَمَ وَأَرْوَعَ: فَلَهُ ذَلِكَ وَإِن خَالَفَ قَوْلُهُ الْمَذْهَبَ. [٣٣/ ١٦٨]

٢٠٩٢ - لَفْظُ الْخَطَأِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَمْدِ وَفِي غَيْرِ الْعَمْدِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١)} [الإسراء: ٣١] وَالْأَكْثَرُونَ يَقْرَءُونَ (خِطْئًا) عَلَى وَزْنِ رِدْءًا وَعِلْمًا، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (خَطَأً) عَلَى وَزْنِ عَمَلًا؛ كَلَفْظِ الْخَطَأِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢].

وَأَمَّا اسْمُ الْخَاطِئِ فَلَمْ يَجِئْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا لِلْإِثْمِ بِمَعْنَى الْخَطِيئَةِ كَقَوْلِهِ: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)} [يوسف: ٢٩].

وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا: فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ غَيْرُ خَاطِئٍ، وَغَيْرُ مُخْطِئٍ أَيْضًا إذَا أُرِيدَ بِالْخَطَأِ الْإِثْمُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ، وَلَا يَكُونُ مِن مُجْتَهِدٍ خَطَأٌ (١)، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ مَن قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.

وَلَكِنَّ الصَّحَابَةَ وَالْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ - رضي الله عنهم - وَجُمْهُورَ السَّلَفِ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْخَطَأِ عَلَى غَيْرِ الْعَمْدِ وَإِن لَمْ يَكُن إثْمًا، كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" (٢).

وَأَحْمَد يُفَرِّقُ فِي هَذَا الْبَابِ:

أ- فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ كَانَ مَن أَخَذَ بِحَدِيث ضَعِيفٍ أَو قَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مُخْطِئًا.


(١) وعلى هذا؛ فلا يجوز تثريب وذمّ من اجتهد من العلماء والدعاة إلى الله ولو أخطؤوا؛ لأنهم لم يُخطئوا خطأ يأثمون عليه، وخطؤهم مغفورٌ ومعفوٌّ عنه، ولا يجوز ذمّ من غفر الله له، كما لا يجوز عتاب وذمّ من أذنب ثم تاب من ذنبه.
(٢) رواه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>