للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ب- وَإِذَا كَانَ فِيهَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ نَظَرَ فِي الرَّاجِحِ فَأخَذَ بِهِ، وَلَا يَقُولُ لِمَن أخَذَ بِالْآخَرِ إنَّهُ مُخْطِئٌ.

ج- وَإِذَا لَمْ يَكُن فِيهَا نَصٌّ اجْتَهَدَ فِيهَا بِرَأْيِهِ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَصَبْت

الْحَقَّ أمْ أَخْطَأْته.

فَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكونَ فِيهَا نَصٌّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَبَيْنَ انْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، وَإِذَا عَمِلَ الرَّجُلُ بِنَصٍّ وَفِيهَا نَصّ آخَرُ خَفِيَ عَلَيْهِ لَمْ يُسَمِّهِ مُخْطِئا، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.

لَكِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي تَعْيِينِ الْخَطَأِ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ: لَا أَقْطَعُ بِخَطَأِ مُنَازِعِي فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَمِنْهُم مَن يَقُولُ: أَقْطَعُ بِخَطَئِهِ، وَأحْمَد فَصَّلَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ إذَا قَطَعَ بِخَطَئِهِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ لَمْ يَقْطَعْ بِإِثْمِهِ، هَذَا لَا يَكُونُ إلا فِي مَن عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَهِدْ.

وَحَقِيقَةُ الْأمْرِ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهَا نَصٌّ خَفِيَ عَلَى بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ عِلْمُهُ، وَلَو عَلِمَ بِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ، لَكِنَهُ لَمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ اتَّبَعَ النَّصَّ الْآخَرَ وَهُوَ مَنْسُوخٌ أَو مَخْصُوصٌ: فَقَد فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ قُدْرَتهِ؛ كَاَلَّذِينَ صَلَّوْا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ أَنْ نُسِخَتْ وَقَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِالنَّسْخِ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكلَّفِينَ إلَّا بَعْدَ تَمَكُنِهِمْ مِن مَعْرِفَتِهِ فِي أَصَحِّ الأقْوَالِ.

وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ لَهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْحَقُّ، وَطَلَبَهُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ، وَهُوَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِدَلِيل (١).

فَفِي الْجُمْلَةِ: الْأَجْرُ هُوَ عَلَى اتِّبُاعِهِ الْحَقَّ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ.

وَلَو كَانَ فِي الْبَاطِنِ حَقٌّ يُنَاقِضُهُ: هُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ لَو قَدَرَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ،


(١) ظهر له، وبحث عنه قاصدًا الحقّ، وأما من لم يحكم بدليل، بل بتقليد، أو بَحَثَ عن أدلة تُوافق هواه وميله فليس له أجر، بل قد يحمل من الأوزار بحسب نوع اجتهاده.

<<  <  ج: ص:  >  >>