للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ، فَهَذَا كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي جِهَاتِ الْكَعْبَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَن عَبَدَ عِبَادَةً نُهِيَ عَنْهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنَّهْي؛ مِثْل مَن صَلَّى فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَبَلَغَهُ الْأمْرُ الْعَامُّ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، أَو تَمَسَّكَ بِدَلِيلِ خَاصٍّ مَرْجُوحٍ مِثْل صَلَاةِ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّاهُمَا، وَمِثْل صَلَاةٍ رُوِيتْ فِيهَا أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ أَو مَوْضوعَة كَألْفِيَّةِ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَأَوَّلِ رَجَبَ، وَصَلَاةِ التَّسْبِيحِ، كَمَا جَوَّزَهَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَإِنَّهَا إذَا دَخَلَتْ فِي عُمُومِ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُوجِبُ النَّهْيَ: أُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ.

بِخِلَافِ مَا لَمْ يُشْرَعْ جِنْسُهُ؛ مِثْل الشِّرْكِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَإِن كَانَ اللهُ لَا يُعَاقِبُ صَاحِبَهُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥] لَكِنَّهُ وَإِن كَانَ لَا يُعَذِّبُ فَإِنَّ هَذَا لَا يُثَابُ (١).

ثُمَّ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَفَعَلَهَا اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ.

وَهَذَا لَا يَكُونُ مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّبعَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا، وَهَذِهِ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ (٢).


(١) فالخلاصة: أن كُل مَن عَبَدَ الله بعِبَادَةٍ ثبت النَّهْيُ عَنْهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنَّهْي فلا يخلو من حالين: الحال الأولى: أنْ يكون جنسُها مشروعًا؛ كصَلَاةِ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ رَكْعَتَيْن بَعْدَ الْعَصْرِ، وَمِثْل صَلَاةٍ رُوِيتْ فِيهَا أَحَادِيثُ ضَعِيفَة أَو مَوضُوعَةٌ كَألْفِيَّةِ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَأوَّلِ رَجَبَ، وَصَلَاةِ التَّسْبِيحِ: فهذا إنْ كان مُقلدًا فلا يُثاب، وإن كان مُجتهدًا طالبًا للحق أُثيب على اجتهاده.
الحال الثانية: ألا يكون جنسُها مشروعًا؛ كالشرك، فهذا لا يُثاب مطلقًا، ثُمَّ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَفَعَلَهَا اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ.
(٢) وذلك مثل عبادة الرافضة للقبور، وحجهم لها، وإحداثهم لبدعة يوم عاشوراء وما يُصاحبها من اللطم والضرب والنياحة، فعملهم لا يُسمّى اجتهادًا؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا بُدَّ أنْ يَتَّبعَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا، وَهَذ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا دَليلٌ شَرْعِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>