للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَكِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا تَكُونُ إلَّا بِحُصُولِ عُلُومٍ تُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْمَطْلُوبِ، فَأمَّا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ مِن فَنٍّ: فَيَبْعُدُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا. [٢٠/ ٢٠٢ - ٢٠٤]

٢٠٩٤ - إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِ نَازِلَةٌ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِي مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُفْتِيهِ بِشَرْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ مِن أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْلِيدُ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- فِي كُلِّ مَا يُوجِبُهُ وَيُخْبِرُ بِهِ؛ بَل كُلُّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ يُؤخَذُ مِن قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. [٢٠/ ٢٠٨ - ٢٠٩]

٢٠٩٥ - الِاجْتِهَادُ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا وَاحِدًا لَا يَقْبَلُ التجزي وَالِانْقِسَامَ؛ بَل قَد يَكُونُ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا فِي فَنٍّ أَو بَاب أَو مَسْأَلَةٍ دُونَ فَنٍّ وَبَابٍ وَمَسْأَلَةٍ، وَكُلُّ أَحَدٍ فَاجْتِهَادُهُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ.

فَمَن نَظَرَ فِي مَسْأَلَةٍ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَرَأَى مَعَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ نُصُوصًا لَمْ يَعْلَمْ لَهَا مُعَارضًا بَعْدَ نَظَرِ مِثْلِهِ فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:

أ- إمَّا أَنْ يَتَّبعَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْآخَرِ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ الْإِمَامَ الَّذِي اشْتَغَلَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَمِثْل هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ بَل مُجَرَّدُ عَادَةٍ يُعَارِضُهَا عَادَة غَيْرِهِ، وَاشْتِغَالٌ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ آخَرَ.

ب- وَإِمَّا أَنْ يَتَّبعَ الْقَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ فِي نَظَرِهِ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ،


= فِي نَوْعِ مِنَ الْعِلْمِ مُقَلِّدًا فِي غَيْرِهِ، أو فِي بَابٍ مِن أبْوَابِهِ، كَمَن اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي نَوْعِ الْعِلْمِ بالْفَرَائِضِ وَأَدِلَّتِهَا وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْعُلُوم، أو فِي بَابِ الْجِهَادِ أَو الْحَجِّ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ الْفَتْوَى فِيمَا لَمْ يَجْتَهِدْ فِيهِ، وَلَا تَكُونُ مَعْرِفَتُهُ بِمَا اجْتَهَدَ فِيهِ مُسَوِّغَةً لَهُ الْإِفْتَاءَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ، وَهَل لَهُ أنْ يُفْتِيَ فِي النَّوْعِ الَّذِي اجْتَهَدَ فِيهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أصَحُّهَا الْجَوَازُ، بَل هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَن بَذَلَ جَهْدَهُ فِي مَعْرِفَةِ مَسْأَلَةٍ أَو مَسْألَتَيْنِ، هَل لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِمَا؟ قِيلَ: نَعَمْ يَجُوزُ فِي أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ .. وَهَل هَذَا إلا مِنَ التَّبْلِيغ عَنِ اللهِ وَعَن رَسُولهِ، وَجَزَى اللهُ مِن أعَانَ الْإِسْلَامَ وَلَو بِشَطْرِ كلِمَةٍ خَيْرًا، وَمَنْعُ هَذَا مِنَ الْإِفتَاءِ بِمَا عَلِمَ خَطَأٌ مَحْضٌ. إعلام الموقعين (٢/ ٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>