للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لإِمَامٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الْإِمَامَ، وَتَبْقَى النُّصُوصُ سَالِمَةً فِي حَقِّهِ عَنِ الْمُعَارِضِ بِالْعَمَلِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ (١).

وَإِنَّمَا تَنَزَّلْنَا هَذَا التَّنَزُّلَ (٢) لِأَنَهُ قَد يُقَالُ: إنَّ نَظَرَ هَذَا قَاصِرٌ (٣)، وَلَيْسَ اجْتِهَادُهُ قَائِمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِضَعْفِ آلَةِ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ.

أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ التَّامِّ الَّذِي يَعْتَقِدُ مَعَهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ النَّصَّ: فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ النُّصُوصِ، وَإِن لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَكَانَ مَن أَكْبَرِ الْعُصَاةِ للهِ وَلرَسُولِهِ.

بِخِلَافِ مَن يَقُولُ (٤): قَد يَكُونُ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ حُجَّة رَاجِحَة عَلَى هَذَا النَّصِّ وَأَنَا لَا أَعْلَمُهَا (٥)، فَهَذَا يُقَالُ لَهُ: قَد قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] وَاَلَّذِي تَسْتَطِيعُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَد دَلَّكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ، فَعَلَيْك أَنْ تَتَّبعَ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ لَك فِيمَا بَعْدُ أَنَّ لِلنَّصِّ مُعَارضًا رَاجِحًا كَانَ حُكْمُك فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ.

وَانْتِقَالُ الْإِنْسَانِ مِن قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِأَجْلِ مَا تبَيَّنَ لَهُ مِنَ الْحَقِّ: هُوَ مَحْمُودٌ فِيهِ، بِخِلَافِ إصْرَارِهِ عَلَى قَوْلٍ لَا حُجَّةَ مَعَهُ عَلَيْهِ.

وَتَرْكُ الْقَوْلِ الَّذِي وَضَحَتْ حُجَّتُهُ، أَو الِانْتِقَالُ عَن قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمُجَرَّدِ عَادَةٍ وَاتِّبَاعِ هَوًى: فَهَذَا مَذْمُومٌ.

وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ الْمُقَلَّدُ قَد سَمِعَ الْحَدِيثَ وَتَرَكَهُ -لَا سيَّمَا إذَا كَانَ قَد رَوَاهُ أَيْضًا- فَمِثْلُ هَذَا وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي تَرْكِ النَّصِّ (٦).


(١) أي: هذا الذي ينبغي للعامي العمل به.
(٢) أي: لم نُوجبه ونُؤثم من خالفه.
(٣) لأنه عاميّ وليس طالب علم، فلا يملك آلة الاجتهاد.
(٤) مِن العامَّة وطلاب العلم المبتدئين.
(٥) كم صدّت هذه المقولة الكثير من الناس عن الحق، وأودعتهم سجون الهوى والشبهات والبدع.
(٦) فلا تقل: الشيخ عنده علمٌ في الحديث ومع ذلك تركه؛ لعلمه بضعفه، أو بما يُعارضه! =

<<  <  ج: ص:  >  >>