للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِصَلَاتَيْ خَوْفٍ مَعًا، وَإِن فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مُحَرَّمٌ تَارَةً، وَمَكْرُوةٌ أُخْرَى، وَلَا تَنْظُرْ إلَى مَن قَد يَسْتَحِبُّ الْجَمْعَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، مِثْلُ مَا رَأَيْت بَعْضَهُم قَد لَفَّقَ أَلْفَاظَ الصَّلَوَاتِ عَلَى النَّبِيِّ الْمَأْثُورَةِ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتَحَبَّ فِعْلَ ذَلِكَ الدُّعَاءِ الْمُلَفَّقِ.

فَإِنَّ هَذَا أَوَّلًا: لَيْسَ سُنَّةً؛ بَل خِلَافُ الْمَسْنُونِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَمِيعَهُ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، إنْ كَانَ الْأَمْرَانِ ثَابِتَيْنِ عَنْهُ؛ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ سُنَّةً؛ بَل بِدْعَةٌ وَإِن كَانَ جَائِزًا (١).

الثَّانِي: أَنَّ جَمْعَ أَلْفَاظِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْوَاحِدِ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ، مِثْلُ جَمْعِ حُرُوفِ الْقُرَّاءِ كُلِّهِمْ لَا عَلَى سَبِيلِ الدَّرْسِ وَالْحِفْظِ، لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ وَالتَّدَبُّرِ مَعَ تَنَوُّعِ الْمَعَانِي؛ مِثْل أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: ١٠]. {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.

{رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: ١٩] {بَعِّدْ بَيْنِ أَسْفَارِنَا}.

{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: ١٥٧] {آصَارَهُم}.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ قَبِيحَةٌ (٢).

وَإِذَا كَانَت هَذِهِ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ أَو الْفِعْلِيَّةُ لَا بُدَّ مِن فِعْلِهَا عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا لَا بُدَّ مِن قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكونَ كُلُّ مَن فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ إنَّمَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَفْضَلِ عِنْدَهُ، أَو قَد لَا يَكُونُ فِيهَا أَفْضَلَ.

وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطُّرُقِ إلَى مَكَّةَ (٣)، فَكُلُّ أَهْلِ نَاحِيَةٍ يَحُجُّونَ مِن


(١) هذا يدل على أن هناك بدعٌ لا تكون محرمةً.
(٢) وكما قرأ أحدهم في زماننا هذا: مالك يوم الدين، ملك يوم الدين، حيث جمع بينهما في وقت واحد في الصلاة!
(٣) هذه العبارة مستعملة من القدم، ولا يصح أن يُقال: إنها محرفة من قول النصارى: كل الطرق تؤدي إلى روما.

<<  <  ج: ص:  >  >>