للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طَرِيقِهِمْ، وَلَيْسَ اخْتِيَارُهُم لِطَرِيقِهِمْ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ، بِحَيْثُ يَكُونُ حَجُّهُم أَفْضَلَ مِن حَجِّ غَيْرِهِمْ؛ بَل لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِن طَرِيقٍ يَسْلُكُونَهَا فَسَلَكُوا هَذِهِ إمَّا لِيُسْرِهَا عَلَيْهِمْ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِن كَانَ الْجَمِيعُ سَوَاءً.

فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْمَشْرُوعَةِ لِفَضْلِهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ مُخْتَارِهِ، وَبَيْنَ كَوْنِ اخْتِيَارِ وَاحِدٍ مِنْهَا ضَرُورِيًّا.

وَالْمُرَجَّحُ لَهُ عِنْدَهُ: سُهُولَتُهُ عَلَيْهِ أَو غَيْرُ ذَلِكَ.

وَالسَّلَفُ كَانَ كُلّ مِنْهُم يَقْرَأُ وَيُصَلِّي ويدْعُو ويذْكُرُ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ، وَأَخَذَ ذَلِكَ الْوَجْهَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُ بُقْعَتِهِ، وَقَد تَكُونُ تِلْكَ الْوُجُوهُ سَوَاءً، وَقَد يَكُونُ بَعْضُهَا أَفْضَلَ، فَجَاءَ فِي الْخَلَفِ مَن يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ اخْتِيَارَهُ لِمَا اخْتَارَهُ لِفَضْلِهِ، فَجَاءَ الْآخَرُ فَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ، وَنَشَأَ مِن ذَلِكَ أَهْوَاءٌ مُرْدِيَةٌ مُضِلَّةٌ، فَقَد يَكُونُ النَّوْعَانِ سَوَاءً عِنْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَتَرَى كُلُّ طَائِفَةٍ طَرِيقَهَا أَفْضَلَ، وَتُحِبُّ مَن يُوَافِقُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَتُعْرِضُ عَمَّن يَفْعَلُ ذَلِكَ الْآخَرَ، فَيُفَضِّلُونَ مَا سَوَّى اللهُ بَيْنَهُ، ويسَوُّونَ مَا فَضَّلَ اللهُ بَيْنَهُ، وَهَذَا بَابٌ مِن أَبْوَابِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الْأُمَّةِ، وَقَد نَهَى عَنْهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

فَالْوَاجِبُ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ لَا يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إلا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، لَا يُجْعَلُ نَفْسُ تَعْيِينٍ وَاحِدٍ مِنْهَا لِضَرُورَةِ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ مُوجِبًا لِرُجْحَانِهِ.

لَكِنْ هُنَا مَسْأَلَةٌ تَابِعَةٌ: وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ التَّسَاوِي أَو الْفَضْلِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِلْإِنْسَانِ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِن ذَلِكَ، أَو أَنْ يَفْعَلَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ؟

فَمِن النَّاسِ مَن يُدَاوِمُ عَلَى نَوْعٍ مِن ذَلِكَ مُخْتَارًا لَهُ أَو مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَيَرَى أَنَّ مُدَاوَمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ النَّوْعِ أَفْضَلُ.

وَأَمَّا أَكْثَرُهُم فَمُدَاوَمَتُهُ عَادَةٌ وَمُرَاعَاةٌ لِعَادَةِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ طَرِيقَتِهِ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>