للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِاعْتِقَادِ الْفَضْلِ (١).

وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: التَّنَوُّعُ فِي ذَلِكَ مُتَابَعَةٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ فِي هَذَا اتِّباعًا لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَإِحْيَاءً لِسُنَّتِهِ، وَجَمْعًا بَيْنَ قُلُوبِ الْأُمَّةِ، وَأَخْذًا بِمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِن الْخَاصَّةِ -: أَفْضَلُ مِن الْمُدَاوَمَةِ عَلَى نَوْعٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِوُجُوهِ:

أَحَدُهَا: أنَّ هَذَا هُوَ اتِّبُاعُ السُّنَّةِ.

الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ اجْتِمَاعَ قُلُوبِ الْأُمَّةِ وَائتِلَافَهَا وَزَوَالَ كَثْرَةِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْأَهْوَاءِ بَيْنَهَا.

الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ الْجَائِزَ الْمَسْنُونَ عَن أَنْ يُشَبَّهَ بِالْوَاجِبِ، فَإِنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ أَو الْجَائِزِ مُشَبَّهَةٌ بِالْوَاجِبِ.

وَلهَذَا أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُدَاوِمِينَ عَلَى بَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْجَائِزَةِ أَو الْمُسْتَحَبَّةِ لَو انْتَقَلَ عَنْهُ لنُفَرَ عَنْهُ قَلْبُهُ وَقَلْبُ غَيْرِهِ: أَكْثَرُ مِمَّا يَنْفِرُ عَن تَرْكِ كَثِيرٍ مِن الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَجْلِ الْعَادَةِ الَّتِي جَعَلَتْ الْجَائِزَ كَالْوَاجِبِ.

الرَّابعُ: أَنَّ فِي ذَلِكَ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِن تِلْكَ الْأَنْوَاعِ، فَإِنَّ كُلَّ نَوْعٍ لَا بُدَّ لَهُ مِن خَاصَّةٍ وَإِن كَانَ مَرْجُوحًا.

الْخَامِسُ: أَنَّ فِي ذَلِكَ وَضْعًا لِكَثِيرٍ مِن الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّيْطَانُ عَلَى الْأُمَّةِ بِلَا كِتَاب مِن اللهِ وَلَا أَثَارَةٍ مِن عِلْمٍ؛ فَإِنَّ مُدَاوَمَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ مُرَجِّحًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ تَرْجِيحًا يُحِبُّ مَن يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُحِبُّ مَن لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ؛ بَل رُبَّمَا أَبْغَضَهُ بِحَيْثُ يُنْكِرُ عَلَيْهِ تَرْكَهُ لَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَرْكِ حُقُوقٍ لَهُ وَعَلَيْهِ: يُوجِبُ أَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ إصْرًا عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُهُ تَرْكُهُ، وَغلًّا فِي عُنُقِهِ يَمْنَعُهُ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَد يُوقِعُهُ فِي بَعْضِ مَا نهِيَ عَنْهُ.


(١) وهذا ما عليه الكثير من الناس وخاصة عوامهم، فهم على ما اعتادوا عليه وألفوه، لا على ما رأوه موافقًا لِمَا عليه نبيهم عليه الصلاة والسلام وأصحابُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>