وَأَصْلٌ آخَرُ فِي إزَالَتِهَا: فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: تُزَالُ بِكُلِّ مُزِيلٍ مِنَ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ.
وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى إزَالَتَهَا إلَّا بِالْمَاءِ، حَتَّى مَا يُصِيبُ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ وَالذَّيْلِ: لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، وَحَتَّى نَجَاسَةَ الْأَرْضِ.
وَمَذْهَبُ أَحْمَد فِيهِ مُتَوَسِّطٌ، فَكُلُّ مَا جَاءَت بِهِ السُّنَّةُ قَالَ بِهِ ذَلِكَ .. فَإِنَّ التَّشْدِيدَ فِي النَّجَاسَاتِ جِنْسًا وَقَدَرًا هُوَ دِينُ الْيَهُودِ، وَالتَّسَاهُلُ هُوَ دِينُ النَّصَارَى، وَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْوَسَطُ.
فَكُلُّ قَوْلٍ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِن هَذَا الْبَابِ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ.
وَأَصْلٌ آخَرُ: وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ كَاخْتِلَاطِ الْمَائِعِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ، فَقَوْلُ الْكُوفِيِّينَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ.
وَبِإِزَائِهِمْ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِن أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ فَإِنَّهُم -فِي الْمَشْهُورِ- لَا يُنَجِّسُونَ الْمَاءَ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَلَا يَمْنَعُونَ مِنَ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا غَيْرِهِ مُبَالَغَةً فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، مَعَ فَرْقِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ.
وَلأَحْمَدَ قَوْلٌ كَمَذْهَبِهِمْ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ التَّوَسُّطُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ؛ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَفِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنَ التَّوَسُّطِ -أَثَرًا وَنَظَرًا- مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ أَحْمَد الْمُوَافِقَ لِقَوْلِ مَالِكٍ رَاجِحٌ فِي الدَّلِيلِ.
وَأَصْل آخَرُ: وَهُوَ طَهَارَةُ الْأَحْدَاثِ الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، فَإِنَّ مَذْهَبَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ اسْتَعْمَلُوا فِيهَا مِنَ السُّنَنِ مَا لَا يُوجَدُ لِغَيْرِهِمْ، وَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ اللِّبَاسِ وَالْحَوَائِلِ.
فَقَد صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَد "كِتَابَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ" وَذَكَرَ فِيهِ مِنَ النُّصُوصِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ فِي الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ بَل عَلَى خُمُرِ النِّسَاءِ - كَمَا كَانَت أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرُهَا