٢٣٧٧ - ثَبَتَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ سُئِلَ عَن خَمْرٍ لِيَتَامَى فَأَمَرَ بِإرَاقَتِهَا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُم فُقَرَاءُ؟ فَقَالَ: سَيُغْنِيهِمْ اللهُ مِن فَضْلِهِ.
فَلَمَّا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَنَهَى عَن تَخْلِيلِهَا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَيَجِبُ أَنْ تُرَاقَ الْخَمْرَةُ وَلَا تُخَلَّلُ، هَذَا مَعَ كَوْنِهِمْ كَانُوا يَتَامَى، وَمَعَ كَوْنِ تِلْكَ الْخَمْرَةِ كَانَت مُتَّخَذَةً قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَمْ يَكُونُوا عُصَاةً.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَأُمِرُوا بِذَلِكَ كَمَا أُمِرُوا بِكَسْرِ الْآنِيَةِ وَشَقِّ الظُّرُوفِ ليَمْتَنِعُوا عَنْهَا.
قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ مِن وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ أَمْرَ اللهِ وَرَسُولِهِ لَا يُنْسَخُ إلَّا بِأَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ (١)، وَلَمْ يَرِدْ بَعْدَ هَذَا نَصٌّ يَنْسَخُهُ.
الثَّانِى: أنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَمِلُوا بِهَذَا؛ كَمَا ثَبَتَ عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَأَكُلُوا خَلَّ خَمْرٍ إلَّا خَمْرًا بَدَأَ اللهُ بِفَسَادِهَا وَلَا جُنَاحَ عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِن خَلِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ". فَهَذَا عُمَرُ يَنْهَى عَن خَلِّ الْخَمْرِ الَّتِي قَصَدَ إفْسَادَهَا، وَيَأْذَنُ فِيمَا بَدَأَ اللهُ بِإِفْسَادِهَا، ويُرَخِّصُ فِي اشْتِرَاءِ خَلِّ الْخَمْرِ مِن أهْلِ الْكِتَاب؛ لِأنَّهُم لَا يُفْسِدُونَ خَمْرَهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَخَلَّلُ بِغَيْرِ اخْتيَارِهِمْ، وَفِي قَوْلِ عُمَرَ حُجَّةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ.
وَلِهَذَا تَنَازَعُوا فِي خَمْرَةِ الْخِلَالِ: هَل يَجِبُ إرَاقَتُهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أَحْمَد وَغَيْرِهِ: أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُ إرَاقَتِهَا كَغَيْرِهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ خَمْرَةٌ مُحْتَرَمَةٌ، وَلَو كَانَ لِشَيْءٍ مِن الْخَمْرِ حُرْمَةٌ لَكَانَت لِخَمْرِ الْيَتَامَى الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُم قَبْلَ التَّحْرِيمِ.
وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الشُّبْهَةُ فِي التَّخْلِيلِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اعْتَقَدَ أَنَّ التَّخْلِيلَ
(١) هذه قاعدةٌ هامّة جدًّا، وَيجب العمل بها في كل ما قيل بأنه منسوخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute