قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أحَدًا قَالَ قَبْلَ الشَافِعِيِّ إنَّ أَبْوَالَ الْأنْعَامِ وأبعارها نَجَسٌ. اهـ.
وَفِي الْحَدِيثِ دِلَالَةٌ أُخْرَى فِيهَا تَنَازُعٌ: وَهُوَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُم شُرْبَهَا، وَلَو كَانَت مُحَرَّمَةً نَجِسَةً لَمْ يُبحْ لَهُم شُرْبَهَا، وَلَسْت أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ، كَمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ مَنَاطِهِ:
فَقِيلَ: هُوَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِ التَّدَاوِي.
وَقِيلَ: بَل هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا لِلتَّدَاوِي.
وَقِيلَ: هِيَ مَعَ ذَلِكَ نَجِسَةٌ.
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَحْتَاجُ إلَى رُكْنٍ آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ النَّجِسَةِ مُحَرَّمٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَد أَبَاحَهَا لِلضَّرُورَةِ وَالْمُتَدَاوِي مُضْطَرٌّ فَتبَاحُ لَهُ.
قلت: أَمَّا إبَاحَتُهَا لِلضَّرُورَةِ فَحَقٌّ، وَلَيْسَ التَّدَاوِي بِضَرُورَة لِوُجُوهِ:
أَحَدُهَا: أنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَرْضَى أَو أَكْثَرُ الْمَرْضَى يُشْفَونَ بِلَا تَدَاوٍ، لَا سِيَّمَا فِي أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْقُرَى وَالسَّاكِنِينَ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ، يَشْفِيهِمُ اللهُ بِمَا خَلَقَ فِيهِمْ مِنَ الْقُوَى الْمَطْبُوعَةِ فِي أَبْدَانِهِمُ الرَّافِعَةِ لِلْمَرَضِ، وَفِيمَا يُيَسِّرُهُ لَهُم مِن نَوْعِ حَرَكَةٍ وَعَمَلٍ أَو دَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ أَو رُقْيَةٍ نَافِعَةٍ او قُوَّةٍ لِلْقَلْبِ وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ غَيْرِ الدَّوَاءِ.
وَأَمَّا الْأَكْلُ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللهُ أَبْدَانَ الْحَيَوَانِ تَقُومُ إلَّا بِالْغِذَاءِ، فَلَو لَمْ يَكُن يَأْكُلُ لَمَاتَ، فَثبتَ بِهَذَا أَنَّ التَّدَاوِي لَيْسَ مِنَ الضَّرُورَةِ فِي شَيْءٍ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الْأَكْلَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَاجِبٌ، قَالَ مَسْرُوقٌ: مَن اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكلْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ، وَالتَّدَاوِي غَيْرُ وَاجِبٍ، وَمَن نَازَعَ فِيهِ خَصَمَتْهُ السُّنَّةُ فِي الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي خَيَّرَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَدُخولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute