الْجَنَّةِ، وَبَيْنَ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ، فَاخْتَارَتِ الْبَلَاءَ وَالْجَنَّةَ، وَلَو كَانَ رَفْعُ الْمَرَضِ وَاجِبًا لَمْ يَكُن لِلتَّخْيِيرِ مَوْضِعٌ.
وَلَسْت أَعْلَمُ سَالِفًا أَوْجَبَ التداوي.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ الدَّوَاءَ لَا يُسْتَيْقَنُ؛ بَل وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ لَا يَظُنُّ دَفْعَهُ لِلْمَرَضِ؛ إذ لَوِ اطَّرَدَ ذَلِكَ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ، بِخِلَافِ دَفْعِ الطَّعَامِ لِلْمَسْغَبَةِ وَالْمُجَاعَةِ، فَإِنَّهُ مُسْتَيْقَنٌ بِحُكمِ سُنَّةِ اللهِ فِي عِبَادِهِ وَخَلْقِهِ.
وأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ: أَيُتَدَاوَى بِهَا؟ فَقَالَ: إنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاء.
فَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ رَدًّا عَلَى مَن أَبَاحَهُ، وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ مِثْلُهَا قِيَاسًا.
وَقَد ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ عَن أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الْقَوْلَ بِنَجَاسَتِهَا.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ؛ بَل مُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّنْجِيسَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُحْدَثَةِ، فَيَكُونُ مَرْدُودًا بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إبْطَالِ الْحَوَادِثِ، لَا سِيَّمَا مَقَالَةٌ مُحْدَثَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَعْيَانَ الْمَوْجُودَةَ فِي زَمَانِهِمْ وَمَكَانِهِمْ إذَا أَمْسَكُوا عَن تَحْرِيمِهَا وَتَنْجِيسِهَا -مَعَ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ-: كَانَ تَحْرِيمُهَا وَتَنْجِيسُهَا مِمَن بَعْدَهُم بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَمْسِكُوا عَن بَيَانِ أَفْعَالٍ يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ وُجُوبِهَا لَو كَانَ ثَابِتًا، فَيَجِيءُ مَن بَعْدَهُم فَيُوجِبُهَا.
وَمَتَى قَامَ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ أَو الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا وُجُوبًا وَلَا تَحْرِيمًا: كَانَ إجْمَاعًا مِنْهُم عَلَى عَدَمِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُعْتَمَدَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَهِيَ أَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute