للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِلْفَقِيهِ أَنْ يَتَأمَّلَهَا وَلَا يَغْفَلُ عَن غَوْرِهَا، لَكِنْ لَا يُسَلَّمُ إلَّا بِعَدَمِ ظُهُورِ الْخِلَافِ فِي الصَّدْرِ الْأوَّلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ بَطَلَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ، وَالْحَقُّ أحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. [٢١/ ٥٣٥ - ٥٨١]

٢٣٨٦ - مَنِيّ الْآدَمِيِّ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ نَجِسٌ كَالْبَوْلِ، فَيَجِبُ غَسْلُهُ رَطْبًا وَيابِسًا مِنَ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ (١).

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ نَجِسٌ يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَثَالِثُهَا: أنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ كَالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرْنَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: مَا أخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِن ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يَذْهَبُ فَيُصَلِّي فِيهِ" (٢).

فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ كَالْبَوْلِ يَكونُ نَجِسًا نَجَاسَةً غَلِيظَةً، فَبَقِيَ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا كَالدَّمِ أَو طَاهِرًا كَالْبُصَاقِ، لَكِنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ تَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنَ الْأَنْجَاسِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ حَمْلِ قَلِيلِهِ فِي الصَّلَاةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كَثيرِهِ؛ فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا.

ثُمَّ جَعَلَهُ اللهُ أَصْلًا لِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْليَائِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَالْإِنْسَانِ الْمُكَرَّمِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَصْلُهُ نَجِسًا؟

ولَو جَرَى فِي مَجْرَاهُ (٣): فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَوْلَ قَبْلَ ظُهُورِهِ نَجِسٌ، كَمَا مَرَّ


(١) مع أن الإمام مالك رَحَمِهُ اللهُ يتوسع في طهارة الطيور والحيوانات بجميع أنواعها، بل ويرى طهارة شعر وجلدِ الخنزير والكلب، وهو الذي رجحه شيخ الاسلام ابن تيمية.
بل وله قول بجواز أكل بعض السباع والطيور.
(٢) مسلم (٢٨٨).
(٣) أي: لو سلّمنا أنّ المني يجري مجرى البول، فيكون قد خالط النجاسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>