للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَلَو كَانَ اللِّبَاسُ الْفَارِقُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُسْتَنَدُهُ مُجَرَّدَ مَا يَعْتَادُهُ النِّسَاءُ أَو الرِّجَالُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَشَهْوَتِهِمْ: لَمْ يَجِبْ انْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ الْجَلَابِيبَ وَلَا أَنْ يَضْرِبْنَ بِالْخُمُرِ عَلَى الْجُيُوبِ وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِنَّ التَّبَرُّجُ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأولَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةً لِأولَئِكَ.

فَالْفَارِق بَيْنَ لِبَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: يَعُودُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ، وَهُوَ مَا يُنَاسِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الرِّجَالُ وَمَا تُؤْمَرُ بِهِ النِّسَاءُ.

فَالنِّسَاءُ مَأْمُورَاتٌ بِالِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ دُونَ التَّبَرجِ وَالظُّهُورِ؛ وَلهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْأذَانِ وَلَا التَّلْبِيَةِ وَلَا الصُّعُودُ إلَى الصَّفَا والمروة وَلَا التَّجَرُّدُ فِي الْإِحْرَامِ كما يَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ.

فَإِنَّ الرَّجُلَ مَأمُورٌ أَنْ يَكْشِفَ رَأسَهُ، وَأَنْ لَا يَلْبَسَ الثِّيَابَ الْمُعْتَادَةَ وَهِيَ الَّتِي تُصْنَعُ عَلَى قَدْرِ أَعْضَائِهِ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تُنْهَ عَن شَيء مِنَ اللِّبَاسِ؛ لِأنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَاب، فَلَا يَشْرَعُ لَهَا ضِدُّ ذَلِكَ، لَكِنْ مُنِعَتْ أَنْ تَنْتَقِبَ وَأَنْ تَلْبَسَ الْقُفَّازينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَاسٌ مَصْنُوعٌ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ وَلَا حَاجَةَ بِهَا إلَيْهِ.

وَقَد تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ: هَل وَجْهُهَا كَرَأسِ الرَّجُلِ أو كَيَدَيْهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، فَمَن جَعَلَ وَجْهَهَا كَرَأسِهِ أَمَرَهَا إذَا سَدَلَتْ الثَّوْبَ مِن فَوْقِ رَأسِهَا أَنْ تُجَافِيَهُ عَنِ الْوَجْهِ، كَمَا يُجَافَى عَنِ الرَّأسِ مَا يُظَلَّلُ بِهِ.

وَمَن جَعَلَهُ كَالْيَدَيْنِ -وَهُوَ الصَّحِيحُ- قَالَ: هِيَ لَمْ تُنْهَ عَن سَتْرِ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا نُهِيَتْ عَن الِانْتِقَابِ، كَمَا نُهِيَتْ عَن الْقُفَّازَيْنِ؛ وَذَلِكَ كَمَا نُهي الرَّجُل عَن الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَفِي مَعْنَاهُ الْبُرْقُعُ وَمَا صُنِعَ لِسَتْرِ الْوَجْهِ.

فَأَمَّا تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ بِمَا يُسْدَلُ مِن فَوْقِ الرَّأسِ: فَهُوَ مِثْلُ تَغْطيَتِهِ عِنْدَ النَّوْمِ بِالْمِلْحَفَةِ وَنَحْوِهَا، وَمِثْلُ تَغْطِيَةِ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ، وَهِيَ لَمْ تُنْهَ عَن ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>