للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَلَو أَرَادَ الرِّجَالُ أَنْ يَنْتَقِبُوا ويتبرْقَعُوا ويدَعُوا النِّسَاءَ بَادِيَاتِ الْوُجُوهِ لَمُنِعُوا مِن ذَلِكَ.

وَأَصلُ هَذَا: أَنْ تَعْلَمَ أَنَ الشَّارعَ لَهُ مَقْصُودَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

والثَّاني: احْتِجَابُ النِّسَاءِ.

فَلَو كَانَ مَقْصُودُهُ مُجَرَّدَ الْفَرْقِ لَحَصَلَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ بِهِ الِاخْتِلَافُ، وَقَد تَقَدَّمَ فَسَادُ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا: لَيْسَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ حَجْبِ النِّسَاءِ وَسَتْرِهِنَّ دُونَ الْفَرْقِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ؛ بَلِ الْفَرْقُ أَيْضًا مَقْصُود، حَتَّى لَو قُدِّرَ أَنَّ الصِّنْفَيْنِ اشْتَرَكُوا فِيمَا يَسْتُرُ ويحْجُبُ بِحَيْثُ يُشْتبهُ لِبَاسُ الصِّنْفَيْنِ لنهُوا عَن ذَلِكَ.

وَقَد بَسَطْنَا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي "اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لِمُخَالَفَةِ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ" وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُشَابَهَةَ فِي الْأُمُورِ الظاهِرَةِ تُورِثُ تَنَاسُبَا وَتَشَابُهَا فِي الْأخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ.

وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِن أَنْ يَكُونَ بَيْنَ لِبَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَرْق يَتَمَيَّزُ بِهِ الرِّجَالُ عَن النِّسَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ لِبَاسُ النِّسَاءِ فِيهِ مِن الِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ مَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَ ذَلِكَ: ظَهَرَ أَصْلُ هَذَا الْبَابِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ اللِّبَاسَ إذَا كَانَ غَالِبُهُ لُبْسَ الرِّجَالِ: نُهِيَتْ عَنْهُ الْمَرْأَةُ وإن كَانَ سَاتِرًا؛ كالفراجي الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ الْبِلَادِ أَنْ يَلْبَسَهَا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاء.

وَالنَّهْيُ عَن مَثَلِ هَذَا بِتَغَيُّرِ الْعَادَاتِ.

وَأَمَّا مَا كَانَ الْفَرْقُ عَائِدًا إلَى نَفْسِ السِّتْرِ: فَهَذَا يُؤْمَرُ بِهِ النِّسَاءُ بمَا كَانَ أَسْتَرُ، وَلَو قُدِّرَ أَنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي اللِّبَاسِ قِلًّةُ السَّتْرِ وَالْمُشَابَهَةُ نُهِيَ عَنْهُ مِن الْوَجْهَيْنِ. [٢٢/ ١٤٦ - ١٥٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>