(٢) وجاء عند البخاري عنه أنه قال: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بِبُرْدَةٍ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَد لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقَلْتُ ألَا تَدْعُو اللهَ؟ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، فَقَالَ: قَد كَانَ مَن كَانَ قَبلَكُمْ لَيُمَشَّطُ بِأمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِن لَحْمٍ أو عَصَبِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، ويُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مِفْرَقِ رَأسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ -عز وجل-.قال الحافظ ابن كثير رحمه الله -بعد أن ساق الحديثين-: وَالَّذِى يَقَعُ لِي -وَاللهُ أعْلَمُ- أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ- أي: قوله: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةَ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفَّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا- مُخْتَصَرٌ مِنَ الْأوَّلِ، وَهُوَ أنَّهُم شَكَوْا إِلَيْهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْمُشرِكِينَ مِنَ التَّعْذِيبِ بِحَرِّ الرَّمْضَاءِ، وَأَنَّهُم يَسحَبُونَهُم عَلَى وُجُوهِهِمْ فَيَتَّقُونَ بِأَكُفِّهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَسَأَلُوا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَدْعُوَ اللهَ لَهُم عَلَى الْمُشْرِكِينَ، أو يَسْتَنْصِرَ عَلَيْهِمْ، فَوَعَدَهُم ذَلِكَ وَلَمْ يُنْجِزْهُ لَهُم فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، وَأَخْبَرَهُم عَمَّن كَانَ قَبْلَهُم أَنَّهُم كَانُوا يَلْقَوْنَ مِنَ الْعَذَابِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا أَصَابَهُمْ، وَلَا يَصْرِفُهُم ذَلِكَ عَن دِينِهِمْ، وَيُبَشِّرُهُم أَنَّ اللهَ سَيُتِمُّ هَذَا الْأَمْرَ، وَيُظْهِرُهُ، وَيُعْلِيهِ، وينْشُرُهُ، وينْصُرُهُ فِي الْأقَالِيمِ وَالْآفَاقِ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلَى حَضرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ -عز وجل- وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ؛ وَلهَذَا قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي وُجُوهِنَا وَأكُفِّنَا، فَلَمْ يُشْكنَا؛ أيْ: لَمْ يَدْعُ لَنَا فِي السَّاعَةِ الرَاهِنَةِ.فَمَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَادِ، أو عَلَى وُجُوب مُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّىِ بِالْكَفِّ، كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: فَفِيهِ نَظَرٌ. البداية والنهاية (٤/ ١٥١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute