للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ" (١). أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ؛ كَالْبُخَاريِّ وَمُسْلِمٍ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُم.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: بَيَانُ أَنَّ أَحَدَهُم إنَّمَا كَانَ يَتَّقِي شِدَّةَ الْحَرِّ بِأَنْ يَبْسُطَ ثَوْبَهُ الْمُتَّصِلَ؛ كَإزَاره وَرِدَائِهِ وَقَمِيصِهِ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ.

وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ عَلَى سَجَّادَاتٍ؛ بَل وَلَا على حَائِلٍ. [٢٢/ ١٦٣ - ١٦٥]

٢٤٤٤ - فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَن خباب بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: "شَكوْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةَ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا" (٢).


(١) رواه البخاري (١٢٠٨)، ومسلم (٦٢٠).
(٢) وجاء عند البخاري عنه أنه قال: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بِبُرْدَةٍ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَد لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقَلْتُ ألَا تَدْعُو اللهَ؟ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، فَقَالَ: قَد كَانَ مَن كَانَ قَبلَكُمْ لَيُمَشَّطُ بِأمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِن لَحْمٍ أو عَصَبِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، ويُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مِفْرَقِ رَأسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ -عز وجل-.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله -بعد أن ساق الحديثين-: وَالَّذِى يَقَعُ لِي -وَاللهُ أعْلَمُ- أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ- أي: قوله: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةَ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفَّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا- مُخْتَصَرٌ مِنَ الْأوَّلِ، وَهُوَ أنَّهُم شَكَوْا إِلَيْهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْمُشرِكِينَ مِنَ التَّعْذِيبِ بِحَرِّ الرَّمْضَاءِ، وَأَنَّهُم يَسحَبُونَهُم عَلَى وُجُوهِهِمْ فَيَتَّقُونَ بِأَكُفِّهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَسَأَلُوا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَدْعُوَ اللهَ لَهُم عَلَى الْمُشْرِكِينَ، أو يَسْتَنْصِرَ عَلَيْهِمْ، فَوَعَدَهُم ذَلِكَ وَلَمْ يُنْجِزْهُ لَهُم فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، وَأَخْبَرَهُم عَمَّن كَانَ قَبْلَهُم أَنَّهُم كَانُوا يَلْقَوْنَ مِنَ الْعَذَابِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا أَصَابَهُمْ، وَلَا يَصْرِفُهُم ذَلِكَ عَن دِينِهِمْ، وَيُبَشِّرُهُم أَنَّ اللهَ سَيُتِمُّ هَذَا الْأَمْرَ، وَيُظْهِرُهُ، وَيُعْلِيهِ، وينْشُرُهُ، وينْصُرُهُ فِي الْأقَالِيمِ وَالْآفَاقِ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلَى حَضرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ -عز وجل- وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ؛ وَلهَذَا قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي وُجُوهِنَا وَأكُفِّنَا، فَلَمْ يُشْكنَا؛ أيْ: لَمْ يَدْعُ لَنَا فِي السَّاعَةِ الرَاهِنَةِ.
فَمَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَادِ، أو عَلَى وُجُوب مُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّىِ بِالْكَفِّ، كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: فَفِيهِ نَظَرٌ. البداية والنهاية (٤/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>