للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرَوَى أَهْلُ السُّنَنِ عَنْهُ حَدِيثَيْنِ أَو ثَلَاثَةً أَنَّهُ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ.

- فَهَذَا الْجَمْعُ بِالْمَدِينَةِ لِلْمَطَرِ وَلغَيْرِ مَطَرٍ، وَقَد نَبَّهَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الْجَمْعِ لِلْخَوْفِ وَالْمَطَرِ (١).

- وَالْجَمْعُ عِنْدَ الْمَسِيرِ فِي السَّفَرِ؛ يَجْمَعُ فِي الْمَقَامِ وَفِي السَّفَرِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ.

فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ السَّفَرُ سَبَبٌ لِلْجَمْعِ كَمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْقَصْرِ؛ فَإنَّ قَصْرَ الْعَدَدِ دَائِرٌ مَعَ السَّفَرِ وَجُودًا وَعَدَمًا، وَأَمَّا الْجَمْعُ فَقَد جَمَعَ فِي غَيْرِ سَفَرِ، وَقَد كَانَ فِي السَّفَرِ يَجْمَعُ لِلْمَسِيرِ، وَيَجْمَعُ فِي مِثْل عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَلَا يَجْمَعُ فِي سَائِرِ مَوَاطِنِ السَّفَرِ، وَأَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْجَمْعِ.

فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْجَمْعَ هُوَ لِرَفْعِ الْحَرَجِ، فَإِذَا كَانَ فِي التَّفْرِيقِ حَرَجٌ جَازَ الْجَمْعُ، وَهُوَ وَقْتُ الْعُذْرِ وَالْحَاجَةِ؛ وَلهَذَا قَالَ الصَّحَابَةُ: كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْغُرُوبِ: صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ: صَلَّتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.

وَقَالَ بِذَلِكَ اهْلُ الْجَمْعِ؛ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد.

فَهَذَا يُوَافِقُ قَاعِدَةَ الْجَمْعِ فِي أَنَّ الْوَقْتَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَلَاتَي الْجَمْعِ عِنْدَ الضَّروُرَةِ وَالْمَانِعِ.

فَمَن أَدْرَكَ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُشْتَرَكِ فَقَد أَدْرَكَ الصَّلَاتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا.

ثُمَّ إمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْجَمْعَ مُعَلَّقٌ بِالسَّفَرِ مُطْلَقًا قَصِيرِهِ (٢) وَطَوِيلِهِ: إمَّا


(١) لقوله: "جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الظهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِن غَيْرِ خَوْفِ، وَلَا مَطَرٍ".
فدل ذلك على أن الخوف والمطر سبب للجمع.
(٢) السفر القصير عند الفقهاء: هو السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة، وهو ما دون (٤) برد أو (١٦) فرسخًا، وهي ما تزيد على (٨٠ كم). =

<<  <  ج: ص:  >  >>